الخوف من تكرار هجوم 7 أكتوبر تسبب في إحدی السياسات الرئيسية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بحصار هذه المنطقة ومنع نقل جميع أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية لصالحها فصائل المقاومة الفلسطينية. وبحسب معهد واشنطن، فإن إحدی الطرق التقليدية لنقل الأسلحة تحت الأرض إلی غزة هي الحدود المشتركة لهذا القطاع مع جارته الغربية مصر. وقام أعضاء شبكة المقاومة بتوفير بعض الأسلحة أو المواد الخام لبناء أنواع مختلفة من الصواريخ والطائرات المسيرة لصالح المقاومة من خلال التواصل مع الجماعات المؤيدة للفلسطينيين في دول مثل السودان وليبيا ومصر.
والآن تخطط تل أبيب لإعادة وضع هذا المحور إلی ما قبل عام 2005 واستبدال القوات المصرية بالقوات الصهيونية. ويری بعض الخبراء أنه إذا تمكنت إسرائيل من السيطرة علی هذا المحور، فإن احتمالية حصار غزة 360 درجة وقطع اتصالها المحدود بالعالم الخارجي ستزداد. وفي استمرار لهذا التقرير التحليلي سنحاول إلقاء نظرة علی موقف محور فيلادلفيا من الصراع بين الكيان الصهيوني وحركة حماس.
أين يقع محور فيلادلفيا؟
وفي الجغرافيا السياسية لغزة، يُشار إلی محور فيلادلفيا أيضًا باسم محور "صلاح الدين". وتقع هذه المنطقة علی طول القطاع الجنوبي من غزة ومصر. هذا المحور الذي يبلغ طوله 14 كيلومترًا (8699 ميلًا)، مثل صحراء سيناء، هو جزء من المنطقة "د" في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 ومن المفترض أن تكون منطقة منزوعة السلاح. ويقع هذا المحور من البحر الأبيض المتوسط في المناطق الشمالية حتی معبر كرم أبو سالم جنوباً. حتی عام 2005، كانت إسرائيل تسيطر علی محور فيلادلفيا كجزء من ولايتها القضائية؛ لكن بانسحابه من هذه المنطقة، سلم سيطرته إلی التنظيمات الذاتية الحكم. وكانت قوات التنظيمات الذاتية الحكم تسيطر علی هذه المنطقة حتی عام 2007.
وفي العام نفسه، وبعد ثمانية عشر شهرًا من المفاوضات، تم التوقيع علی اتفاقية أمنية جديدة بين القاهرة وتل أبيب، يُسمح بموجبها لـ 750 فردًا من حرس الحدود المصري بالتواجد في هذه المنطقة مزودين بأسلحة خفيفة. وبموجب هذا الاتفاق، كان من المفترض أن تقوم قوات الأمن المصرية بمنع التسلل والنقل غير القانوني للبضائع أو المعدات العسكرية إلی غزة. في هذه الاتفاقية، التي تحتوي علی 83 بندًا، تم ذكر قضايا مثل مهام والتزامات الأطراف، مثل أنواع الآلات والأسلحة والبنية التحتية المسموح بها في هذا المجال، بعناية.
لماذا تعتبر سيطرة الكيان الصهيوني علی محور فيلادلفيا خطيرة؟
وبعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ادعی مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن أحد طرق نقل الأسلحة إلی غزة هو الأنفاق تحت الأرض لمحور فيلادلفيا في جنوب غرب غزة. وعلی هذا الأساس أرسلت إسرائيل وفداً أمنياً إلی القاهرة وطالبت بنشر قوات صهيونية في هذه المنطقة وتركيب كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار. ورغم تأكيد الحكومة الإسرائيلية اليمينية علی تحقيق هذا المطلب، لا يبدو أن الحكومة المصرية مستعدة لتنفيذ هذا المطلب لاعتبارات سياسية أمنية.
ما أهمية إتقان هذا المحور؟
وبحسب أجيبت تودي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الوضع الأخير في ممر فيلادلفيا: "يجب علی إسرائيل أن تسيطر بشكل كامل علی هذا المحور لضمان نزع السلاح في المنطقة". وأضاف خلال المؤتمر الصحفي: محور فيلادلفيا، أو بالأحری الحدود الجنوبية (غزة) يجب أن يكون تحت سيطرتنا. ومن الواضح أن أي آلية أخری لن تضمن نزع السلاح الذي نسعی إليه.
وبعد أسبوعين فقط، قال زعيم حزب الليكود خلال مؤتمر صحفي إن النظام الصهيوني لن ينهي الحرب دون سد الثغرات والثغرات الأمنية في محور فيلادلفيا، والذي بموجبه فإن عدم السيطرة علی هذه المنطقة يعني استمرار نقل الأسلحة إلی غزة. وبالطبع، ذكر أيضًا أن تل أبيب لم تتخذ قرارًا بعد بالسيطرة علی محور فيلادلفيا. وكانت بعض المصادر الإخبارية قد تحدثت في وقت سابق عن إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لدخول الجيش الإسرائيلي إلی هذا المحور الحدودي. وأعلنت بعض المصادر الإخبارية أنه في المرحلة الثالثة من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، بالإضافة إلی التسلل إلی المناطق الجنوبية من غزة (خاصة خان يونس)، يسعی الصهاينة إلی السيطرة علی محور فيلادلفيا علی الحدود المشتركة بين غزة ومصر.
لماذا تعتبر سيطرة الكيان الصهيوني علی محور فيلادلفيا خطيرة؟
ومن ناحية أخری، أعلنت سلطات القاهرة معارضتها لإخلاء هذه المنطقة من القوات المصرية وعودة الجنود الإسرائيليين، وأنها ستعتبر أي تغيير في وضع هذه المنطقة بمثابة تهديد خطير لأمن مصر القومي. وفي 31 كانون الأول/ديسمبر، قال أحد أعضاء البرلمان المصري عن تصريح نتنياهو بشأن سيطرة إسرائيل علی محور فيلادلفيا: "إن هذا الإجراء يعد اعتداء واضحا علی اتفاق (كامب ديفيد)". وبحسب وكالة رويترز، رفضت مصر رسميًا، في 10 يناير/كانون الثاني، اقتراح إسرائيل بزيادة مراقبة القوات الصهيونية علی محور فيلادلفيا.
منذ بداية أزمة 7 أكتوبر/تشرين الأول، تسعی حكومة السيسي إلی عدم تغيير الوضع الحدودي في قطاع غزة، وعدم التهجير القسري لسكان هذه المنطقة. ويری خبراء في قضايا فلسطين المحتلة أن تل أبيب تسعی إلی تصدير أزمة غزة إلی مصر، وتكرار تجربة نقل السكان الأصليين للأرض الفلسطينية إلی دول الجوار. وبحسب تقرير المجلس الأطلسي، فإن تحقيق هذا السيناريو، بالإضافة إلی تفاقم مشكلة المهاجرين في مصر، يمكن أن يصبح الأساس لتعزيز مراكز المقاومة في صحراء سيناء.
فائدة الكلام
مع بداية الحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزة، حاولت مصر عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية إيصال هذه الرسالة إلی تل أبيب-واشنطن بأنها لن تقبل بأي شكل من الأشكال خططاً مثل تغيير الوضع الجيوسياسي غزة، والهجرة القسرية للفلسطينيين إلی الصحراء، وسيناء، والاحتلال الكامل لهذه المنطقة من قبل الجيش الإسرائيلي لن يعطي أي نتيجة. إن عدم استيفاء شروط إسرائيل الثلاثة لتغيير الوضع الإقليمي السياسي لغزة دفع مجلس الطوارئ الوطني إلی التركيز علی السيطرة علی خان يونس وشريط فيلادلفيا الحدودي، متجاهلاً أهداف الأيام الأولی للحرب.
المصدر: وكالة مهر للأنباء