ما سبب كراهة السلطة البحرينية من حسين أميرعبداللهيان؟

ربّما كان المسئولون في البحرين والسعودية والإمارات أكثر الفرحين بمقتل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الرجل الذي كان شوكة في حلوقهم علی مدی عقد من الزمان.
ما سبب كراهة السلطة البحرينية من حسين أميرعبداللهيان؟

تطلق الصحف الغربية علی عبداللهيان لقب "سليماني الدبلوماسية" لعلاقته الوثيقة بقائد فيلق القدس الراحل الجنرال قاسم سليماني.

لم يكن غريبا إذن أن لا يتصدّر رئيس الدبلوماسية الإيرانية مشهد المصالحة بين الرياض وطهران في أولی حلقاته (كلّف بها أمين عام المجلس الأعلی للأمن القومي علي شامخاني). لا تحب السعودية عبداللهيان، الذي لم يكف لسانه عنها حتی بعد أن غادر الخارجية الإيرانية عام 2016، سواء في ملف البحرين، أو سوريا، أو اليمن، أو العراق.

ربّما تمنّوا بأنّه لم يخرج أبدا من البحرين، ليرقّی إلی منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الخليج العربي والشرق الأوسط 2010. كان عبد اللهيان الدبلوماسي الوحيد الذي حافظ علی منصبه الرفيع بعد فوز الإصلاحيين بالانتخابات الإيرانية عام 2013، حيث احتفظ به وزير الخارجية الجديد جواد ظريف حتی العام 2016.

 

سيطرة السعودية علی القرار البحريني

علی مدار عشر سنوات وجّه السفير السابق انتقادات حادة ولاذعة للسعودية علی دورها في قمع انتفاضة البحرين وقتل المحتجين والتنكيل بالناس والغالبية الشيعية تحديدا.

اعتبر عبداللهيان الوجود العسكري السعودي احتلالا للبحرين، ومساسا بسيادتها، وأنّه وراء إهدار فرص التفاوض السياسي بين الحكومة والمعارضة.

قال إن حصار منزل الشيخ عيسی قاسم كان بدعم سعودي وضوء أخضر أمريكي، وإن حكام البحرين ليس لديهم القدرة علی اتخاذ القرارات وهم تحت سيطرة السعودية بالكامل، ورأی بأن ملك البحرين كان بإمكانه إقامة علاقات بناءة مع شعبه، لو لا احتلال السعودية العسكري للبحرين.

 

أينما ذهب

منذ سحق المحتجين في دوار اللؤلؤة مارس/آذار 2011، ودخول القوات السعودية البلاد، اعتنق عبد اللهيان قضيّة البحرين. صار يحملها علی عاتقه أينما ذهب.

ورغم أنّه اعتبر الأزمة شأنا داخليا، قال عبد اللهيان صراحة بأن "البحرين قضية مهمة في سياسة إيران الخارجية". كان ينطلق من أن ما يحدث في البحرين تهديد وإخلال بأمن واستقرار المنطقة.

من لندن، وموسكو، وبغداد، ومسقط، كرّر عبد اللهيان عشرات المرات مفردة "حوار حقيقي" مع المعارضة، وطالب العالم والدول الخليجية بالتدخّل لحل الأزمة.

بدا عبد اللهيان وكأنّه قد كرّس نفسه لقضية البحرين (رغم اتّساع مشاغله التي تمتد إلی كل ملفات المنطقة)، ليحمل ملف البحرين في محادثات مباشرة أجراها مع السعودية، وتحدث عنها حتی خلال زيارة أمير الكويت إلی طهران 2014.

 

الوساطة الإيرانية

في السنوات الأولی للانتفاضة حاول عبداللهيان أن تعمل إيران كوسيط بين الحكومة والمعارضة (بعد تلقيها طلبات للمساعدة والوساطة من ملك البحرين ووزير خارجيته)، لكن جهوده باءت جميعها بالفشل. تقدّم بمبادرة أطلعها بشكل مباشر علی المعارضة والحكومة، ووعد النظام باستخدام إمكانيات إيران في تسهيل وتسريع الحوار، و"مد يد العون لحل النزاع".

حاول عبداللهيان في تصريحات ناعمة أحيانا، بلا فائدة ترجی، أن يقنع حكومة البحرين عبر السياسة والأمل بضرورة وقف قمع المحتجين، لأنه "لن يصب في مصلحة البحرين ولا في مصلحة المنطقة"، وبوجود "فرصة للحل السياسي"، وبإمكان تحقيق "مصالحة وطنية"، وبأن مطالب المعارضة سقفها منخفض جدا.

أكّد مرارا بأن طهران لا تسعی لإسقاط نظام الحكم في البحرين، وكذّب بشكل قاطع مزاعم المنامة عن إرسال إيران أسلحة ومتفجرات، مشدّدا علی دعم الحل السياسي فقط.

 

الحكومة تشكو عبداللهيان للأمم المتحدة

عبد اللهيان الذي أعيا المسئولين في البحرين بكثرة وشدة تصريحاته، كان موضوع شكوی قدّمتها حكومة المنامة إلی الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد ما سمّته «التهديدات الإيرانية» للبحرين.

في العام 2013 جال وزير الخارجية البحريني العالم حاملا تصريحات عبداللهيان كأدلّة علی التدخّل الإيراني. كانت القصّة التصعيد الشديد في تصريحات عبداللهيان ضد البحرين بعد اقتحام قوات الأمن منزل الشيخ عيسی قاسم. حذّر عبد اللهيان الحكومة من رد غير متوقّع واعتبر أنّها «تجاوزت الخطوط الحمر». قال إن قضية قاسم «تخص العالم الإسلامي» وليست شأنا داخليا بحتا.

ومع استمرار التراشق علی تويتر قال عبد اللهيان للوزير «تعرف جيدا أن إيران لم ولن تتدخل في البحرين لأنها لو تدخلت لكانت الأمور غير ما هي عليه الآن» ودعاه مرة أخری «للمصالحة بدل ترويج الفتنة»

 

في كل مفصل

لم يوفّر عبداللهيان مناسبة إلا وداس فيها «بطن» الحكومة البحرينية. علّق علی تصاعد نفوذ «داعش» في البحرين بأنه نتيجة سياسات الحكومة.

صعّد عبداللهيان من شدة تصريحاته بعد اعتقال زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، واعتبر أنه «مؤشر علی حدة الأزمة في البحرين وعدم منطقية تصرفات نظام آل خليفة»،  وطالب بالإفراج عنه فورا.

وهكذا في كل مفصل برز عبداللهيان مدافعا عن الشعب في البحرين، ومهاجما سياسات الحكومة و«السلوك الطائفي الذي ينتهجه متطرفون في الحكم ضد الشيعة».

زادت حدة التصريحات التي يطلقها عبداللهيان بعد إسقاط جنسية الشيخ عيسی قاسم «يكشف اعتماد حكام المنامة علی الأجانب وعلاقاتهم السرية مع الكيان الصهيوني والتي ستلحق الضرر البالغ بنظام آل خليفة».

غادر عبداللهيان الخارجية الإيرانية عام 2016، لكنه لم يغادر السياسة الدولية. استطاع سريعا تأمين وظيفة مساعد لرئيس البرلمان الإيراني للشئون الدولية (الخارجية). ومن موقعه هذا استمر بلا توقف في مهاجمة النظام في البحرين، خصوصا بعد محاكمة الشيخ عيسی قاسم ومحاصرة منزله وفض الاعتصام الجماهيري حوله بالقوة (2017)، مطالبا الأمم المتحدة بالتدخّل لحماية الشيخ عيسی قاسم..

 

التطبيع مع إسرائيل

اعتبر عبد اللهيان اتفاق التطبيع بين النظام في البحرين والكيان الصهيوني "خيانة كبری" للقضية الإسلامية والشعب الفلسطيني في تحرير القدس.

حين دافع وزير خارجية البحرين عن اعتداءات الكيان الصهيوني علی سوريا ولبنان والعراق معتبرا إياها «دفاعا عن النفس» وصفه عبداللهيان بأنه بات «الناطق الرسمي للكيان اللقيط»

وحين زار وزير خارجية الكيان الصهيوني المنامة، قال عبد اللهيان «لا شك أن تل أبيب لن تجلب سوی انعدام الأمن للمنطقة و البحرين».

 

عودة الكابوس

عودة عبد اللهيان لوزارة الخارجية في منصب الدبلوماسي الأول، كانت أشبه بكابوس لحكومات الخليج والحكومة البحرينية تحديدا، وبالفعل لم يوفر عبد اللهيان لقاء دوليا إلا وتحدّث فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بدءا بلقائه نظيرته البريطانية.

ورغم عودة العلاقات بين إيران والسعودية منذ أكثر من عام، لكن إيران رفضت علی ما يبدو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع البحرين بسهولة. يدل علی ذلك تصريح أدلی به عبد اللهيان وموظفون آخرون عن "عقبات" و"معوقات" تحول دون عودة العلاقات.

 

سعادة سفير البحرينيين

كان آخر تصريح لحسين أمير عبد اللهيان عن البحرين، قبل 6 أيام فقط من استشهاده. رحّب عبداللهيان بالإفراجات عن المعتقلين السياسيين في البحرين نهاية رمضان الماضي، ووصفها بالخطوة بالإيجابيّة نحو عودة العلاقات لحالتها الطبيعيّة.

لم يكن من السهل أبدا حصر تصريحات عبداللهيان عن البحرين، ومحاولة تجميعها وتوثيقها، تخليدا لذكری سعادة السفير/معالي الوزير الراحل، شهيد العمل المخلص والدئوب. لكن البحرين اليوم تحتاج في زمن "إيتان نائيه" (السفير الإسرائيلي في المنامة) أن تتذكر دوما حسين أمير عبداللهيان، فرحمة الله علی ذلك الرجل الإيراني الشريف الذي عمل سفيرا للبحرينيين في كل العالم!

المصدر: مرآة البحرين