لماذا يعارض الأردن تسليح الضفة الغربية؟

إن زيادة عدد عمليات عناصر المقاومة في منطقة الضفة يمكن أن يكون له آثار خطيرة علی مستقبل تطور المستوطنات الصهيونية وإدارة المسجد الأقصی وظهور ظاهرة المقاومة في الأردن الهاشمي.
لماذا يعارض الأردن تسليح الضفة الغربية؟

إن عملية طوفان الأقصی كمحفز فعال تعمل علی كسر القذائف القديمة للنظام العربي السابق في الشرق الأوسط وتسريع تشكيل النظام الجديد في المنطقة. وفي العصر الجديد، تحاول كل من القوی الدولية والإقليمية أن تصبح "اللاعب العادي" في غرب آسيا من خلال متابعة خططها للتطورات في غرب آسيا.

خلال العقدين الأخيرين، قررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها إحدی أكبر القوی وأكثرها نفوذا في المنطقة، تشديد الحصار علی الأراضي المحتلة من خلال اتباع سياسة "حلقة النار" من أجل الحد من التهديد الكيان الصهيوني. وفي هذه الاستراتيجية، وبعد نشوء قوی المقاومة في الحدود الجنوبية لسوريا وشمال لبنان وتمكين قوی المقاومة في غزة، أصبح الآن تسليح آخر معقل للمقاومة (سلسلة الحصار) أي الضفة الغربية علی جدول أعمال طهران وأعضاء المقاومة. لكن المصالح المختلفة والمتضاربة أحياناً لبعض الجهات الفاعلة في المنطقة، مثل القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، وأعضاء الكتلة السنية المحافظة والأردن الهاشمية، تسببت في أن يصاحب إتمام هذه العملية بعض التحديات.

الضفة الغربية، القاعدة المستقبلية للمقاومة الإسلامية الفلسطينية

بعد أسبوع واحد فقط من العملية الإرهابية التي استهدفت مبنی القنصلية الإيرانية في دمشق، بتاريخ 9 نيسان 2024، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مقالاً حول خطة المقاومة السرية لنقل الأسلحة مثل البنادق الخفيفة والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ. وأطلقت قذائف صاروخية علی الضفة الغربية بهدف تكثيف الاضطرابات في فلسطين المحتلة.

وبحسب المعلومات التي نشرتها مصادر الاستخبارات الأميركية الإسرائيلية، فإن قوی المقاومة تنقل الأسلحة إلی الأردن عبر العراق وسوريا، ومن ثم تقدم هذه الأسلحة إلی خلايا المقاومة في الضفة الغربية بالتعاون مع بدو هذه المنطقة. ومن الواضح أن الغربيين، مثل السلطات الصهيونية، قلقون للغاية بشأن التطورات الجارية في الضفة الغربية لنهر الأردن ولا ينوون التعامل مع تحدي أكبر من مقاومة غزة.

إن وجود المستوطنات الصهيونية في قلب الضفة الغربية جعل من المواطنين العاديين والمسؤولين الصهاينة أهدافاً سهلة لقوی المقاومة. إن تسليح هذه المنطقة ليس هو الاهتمام الوحيد لقوات الأمن الإسرائيلية أو منظمات الحكم الذاتي، لكن الأردن الهاشمي غير مهتم أيضاً بظهور ونمو جماعات المقاومة في هذه المنطقة لكونها تسير علی طريق نقل الأسلحة، استضافة ملايين الفلسطينيين، وأخيراً الالتزامات الأمنية لواشنطن.

وبعد عملية طوفان الأقصی، بدأ الجيش الإسرائيلي موجة جديدة من القمع والاعتقالات غير القانونية في هذه المنطقة بحجة تسليح شباب الضفة الغربية بالأسلحة الخفيفة. ووفقا لجماعات حقوق الإنسان في تل أبيب، وتحت ذريعة نزع السلاح، تم حبس العديد من المراهقين والشباب من الضفة الغربية في سجون النظام دون محاكمة رسمية. وللأسف، الشاباك ليس وحده في هذه العملية، ويتم تنفيذ هذا الإجراء غير القانوني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأردنية الهاشمية والسلطة الفلسطينية. ويمكن رؤية بيان فتح الأخير المناهض لإيران والموجه إلی إيران ومحاولة قمع خلايا المقاومة المنظمة في هذه المنطقة، يتماشی مع تعاون هذا المثلث الأمني ​​للتعامل مع نقل الأسلحة إلی الضفة الغربية.

علی سبيل المثال، في عام 2022، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية أحد أعضاء البرلمان الأردني بتهمة إرسال 200 قطعة سلاح إلی الضفة الغربية. وفي أغسطس من العام الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي عن اكتشاف أكثر من 300 قطعة سلاح من الحدود المصرية والأردنية لنقلها إلی قطاع غزة والضفة الغربية. وتزعم الشرطة الإسرائيلية أنها أحبطت خلال العام 2022 نحو 35 محاولة تهريب أسلحة من الأردن، بالإضافة إلی 800 قطعة سلاح.

وبعد ذلك بقليل، في سبتمبر 2023، وجه جهاز الموساد أصابع الاتهام إلی إيران وأعلن تصعيد الأسلحة من الحدود الأردنية إلی الضفة الغربية. وبناء علی ذلك، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببناء جدار علی طول الحدود بين فلسطين المحتلة والأردن (300 كيلومتر) لمنع نقل الأسلحة إلی الضفة الغربية.

يعتقد بعض المحللين أنه ربما يكون أكثر من إسرائيل ضد إرسال الأسلحة إلی الضفة الغربية، هو الجار الشرقي الذي، بتنسيق مع القيادة المركزية الأمريكية، غير مهتم بنقل الأسلحة من الحدود العراقية السورية. إن المملكة الأردنية تشعر بقلق بالغ إزاء تسليح المقاومة في الضفة الغربية وما يترتب علی ذلك من تنشيط العناصر النائمة المناهضة للصهيونية في هذا البلد العربي.

تظهر مظاهرات مئات الآلاف من الأردنيين أمام السفارتين الأمريكية والإسرائيلية أن حكام هذا البلد شعروا بظل المقاومة أكثر من أي وقت مضی، ويعتقدون أن صعود الجماعات المسلحة المؤيدة للفلسطينيين يمكن أن يشكل تحديًا خطيرًا لحياة هذه المملكة . وفي المائتي يوم الماضية، حاولت السلطات الأردنية إظهار نفسها علی أنها مؤيدة سياسياً وأمنياً للشعب الفلسطيني، حتی أنها استدعت سفيرها من الأراضي المحتلة؛ لكن في الجانب العسكري الأمني، يبدو أن هناك تعاوناً وثيقاً بين المخابرات العامة الأردنية والموساد والشاباك لضرب جوهر المقاومة ومنع نقل الأسلحة إلی الضفة الغربية.

فائدة الكلام

إن مستقبل المقاومة الإسلامية في فلسطين يعتمد بشكل مباشر علی تعزيز قوة المقاومة في الضفة الغربية. بعد العملية المفاجئة لحركة حماس ضد المستوطنات الصهيونية والهجوم الوحشي لآلة حرب النظام علی قطاع غزة، تغيرت الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة حتماً علی المدی القصير وأصبح من الضروري أن تدخل جبهة الضفة الغربية مرحلة الجهاد ضد الغزاة.

وقد تم تسهيل هذه العملية بشكل أكبر بعد تعاون الأردن المباشر مع النظام الدفاعي للحكومات الغربية وإسرائيل للتعامل مع عملية "الوعد الصادق" الإيرانية. وعلی هذا الأساس فإنه من الضروري أن يقوم أعضاء شبكة المقاومة بالإسراع بعملية إرسال الأسلحة إلی الضفة الغربية وتسليح مجموعات المقاومة المتمركزة في هذه المنطقة وذلك بالاستفادة من قدرات قوی المقاومة المخلصة والمؤيدة للإسلام في الأردن. . ومما لا شك فيه أن زيادة عدد عمليات عناصر المقاومة في منطقة الضفة يمكن أن يكون له آثار خطيرة علی مستقبل تطور المستوطنات الصهيونية وإدارة المسجد الأقصی وظهور ظاهرة المقاومة في الأردن الهاشمي.