لكن ووفق ما أكد عليه أصحاب الرأي من الغرب، فإن الاصطفاف العربي الأخير إلی جانب إسرائيل بُعَيد العمليات التي نفذتها إيران علی أراضي فلسطين المحتلة، شكّل وجهاً جديداً ومباشراً من أوجه “التعاون” المُرتجی من اتفاقيات التطبيع. من تقديم معلومات استخباراتية للكيان إلی تطويع المعسكرات الأميركية علی أراضيها لصدّ الصواريخ والمسيرات القادمة من إيران باتجاه فلسطين المحتلة.
ووسط كلّ ما تم تسريبه في الإعلام الغربي -الأميركي والبريطاني علی وجه التحديد- عن تعاون عربي مع أميركا لضمان أمن الكيان المحتلّ؛ بدت السعودية كالدخيل، تقدم كل ما يمكنها تقديمه لكيان لم يجرِ إلی اليوم توقيع اتفاق تطبيع رسمي معه ولم تأخذ منه مقابلاً لا علی المستوی الداخلي ولا علی المستوی العربي.
فقد كشفت صحيفة الديلي ميل البرطانية أن السعودية قامت بتزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية حيوية حول النوايا الإيرانية حتی تتمكن إسرائيل من الاستعداد للهجوم.
وفي المضمار ذاته، تنقل وول ستريت جورنال عن مسؤولين سعوديين ومصريين أنه بعد عملية اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي ومسارعة طهران للتعهد بالرد، بدأ كبار المسؤولين الأمريكيين في الضغط علی الحكومات العربية لتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن خطط إيران لضرب إسرائيل والمساعدة في اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تطلق من إيران ودول أخری باتجاه إسرائيل.
وتتابع وول ستريت جورنال في تقييمها للرد الأولي من العديد من الحكومات العربية بأنه كان حذراً، تخوفاً من أن المساعدة المقدمة لإسرائيل قد تورّطهم مباشرة في الصراع وتخاطر باحتمالية أن يكونوا في مواجهة الانتقام من طهران وما سيتلو ذلك من رد ايراني محتمل يضعهم في مهبّ الريح.
وتقول الصحيفة الأمريكية أنه بعد مزيد من المحادثات مع الولايات المتحدة، قال المسؤولون إن السعودية والإمارات وافقتا بشكل خاص علی تبادل المعلومات الاستخبارية، بينما قال الأردن إنه سيسمح باستخدام مجاله الجوي للطائرات الحربية الأمريكية وطائرات الدول الأخری وسيستخدم طائراته الخاصة للمساعدة في اعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية.
وأفاد المسؤولون إنه قبل يومين من الهجوم، أطلع المسؤولون الإيرانيون نظراءهم من السعودية ودول الخليج الأخری علی الخطوط العريضة وتوقيت خطتهم لتوجيه ضربات واسعة النطاق علی إسرائيل حتی تتمكن تلك الدول من حماية مجالها الجوي، ليتم نقل المعلومات بعد ذلك إلی الولايات المتحدة، مما أعطی إسرائيل تحذيرًا مسبقًا حاسمًا.
وقالت ياسمين فاروق، الزميلة غير المقيمة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ومقرها واشنطن، إن الدول العربية عرضت المساعدة في الدفاع ضد الهجمات الإيرانية لأنها رأت فوائد التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، طالما ظل ذلك بعيدًا عن الأنظار.
ونوّهت إلی أن “دول الخليج تعرف أنها لا تزال لا تحصل علی نفس المستوی من الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة، وتری أن ما فعلته يوم السبت هو وسيلة للحصول عليه في المستقبل”.
وفي تفاصيل الحدث فقد تم تعقب الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية منذ لحظة إطلاقها بواسطة رادارات الإنذار المبكر في دول الخليج العربي المرتبطة بمركز العمليات الأمريكية في قطر، والتي نقلت المعلومات إلی الطائرات المقاتلة من عدة دول في المجال الجوي فوق الأردن ودول أخری أيضًا وكذلك إلی السفن الحربية في البحر وبطاريات الدفاع الصاروخي في إسرائيل.
وتشير وول ستريت جورنال إلی أن “العرض الهائل للدفاع الجماعي” كان تتويجًا لهدف أمريكي دام عقودًا ولكنه بعيد المدی وهو إقامة علاقات عسكرية أوثق بين إسرائيل وخصومها التاريخيين العرب في محاولة لمواجهة التهديد المشترك المتزايد من إيران.
لكن الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لحماية إسرائيل في الأيام والساعات التي سبقت الهجوم الإيراني كان عليها أن تتغلب علی العديد من العقبات، بما في ذلك مخاوف دول الخليج من أن يُنظر إليها علی أنها تهب لمساعدة إسرائيل في وقت توترت فيه العلاقات بشدة بسبب الحرب في غزة.
وكان لا بد من إعداد الكثير من التعاون الذي أدی إلی إسقاط القصف الموجه من إيران ليلة السبت بسرعة، والعديد من التفاصيل بشأن الدور الذي لعبته السعودية والحكومات العربية الرئيسية الأخری يتم الاحتفاظ بها كي لا تتسرب إلی الإعلام.
لقد تمكنت القوات الإسرائيلية والأمريكية من اعتراض معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية جزئيا لأن الدول العربية قدمت بهدوء معلومات استخباراتية بشأن خطط طهران الهجومية، وفتحت مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية، وتبادلت معلومات التتبع بالرادار، أو في بعض الحالات، زودت قواتها الخاصة للمساعدة، حسبما قال المسؤولون.
قال مسؤول إسرائيلي كبير: “اتفاقيات أبراهام جعلت الشرق الأوسط يبدو مختلفا… لأننا نستطيع أن نفعل أشياء ليس فقط تحت السطح، بل فوقه”، وقد أتاح الانضمام إلی القيادة المركزية المزيد من التعاون الفني مع الحكومات العربية وأضاف المسؤول: “هذا ما خلق هذا التحالف”.
ووفق تقييم مسؤولين فإنه علی الرغم من التقدم المحرز، فإن هدف الولايات المتحدة المتمثل في مشاركة إسرائيل والدول العربية بسلاسة بيانات التتبع الخاصة بالتهديدات الإيرانية في الوقت الفعلي، لم يتحقق بالكامل أبدًا بسبب المخاوف السياسية.
من جانبها أفادت “ذا أنترسبت” أن الجيش الأمريكي نشر بطاريات باتريوت وطائرات مقاتلة في السعودية وعدة دول منها الإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن وقطر والتي تعمل سويا لتوفير قبة فوق إسرائيل لحمايتها. إلی جانب أربع سفن أمريكية شاركت بصد الهجوم والتي رسی عدد منها بهدوء بالموانئ السعودية والعمانية.
ووفق “ذا أنترست” فبينما كان العالم يركز – ويؤكد البنتاغون – علی مجيء وذهاب حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة لتكون بمثابة “رادع” ضد إيران، قامت الولايات المتحدة بهدوء ببناء شبكة من الدفاعات الجوية لخوض حربها الإقليمية.
وفي بيان للرئيس الاميركي جو بايدن يوم السبت أشار فيه إلی هذه الشبكة: “بناء علی توجيهاتي، ومن أجل دعم الدفاع عن إسرائيل، قام الجيش الأمريكي بنقل طائرات ومدمرات للدفاع الصاروخي الباليستي إلی المنطقة علی مدار الأسبوع الماضي”، “بفضل عمليات النشر هذه والمهارة غير العادية لجنودنا، ساعدنا إسرائيل علی إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ القادمة تقريبًا”.
الاصطفاف إلی جانب إسرائيل لم يكن الأول لم تكن هذه المرة الأولی التي تحامي “السعودية” فيها عن “إسرائيل”، فقد سبق أن لعبت هذا الدور “بهدوء” كذلك حين كان اليمن يرسل مسيراته إلی أراضي فلسطين المحتلة، قبل تصاعد المواجهة واندلاع حرب البحار، حيث ساهمت في تعطيل مسارها.
وسبق أن كشفت وكالة “بلومبيرغ” نقلا عن أشخاص مطلعين لم تكشف عن هويتهم، أن السعودية “اعترضت صاروخا أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل، حلق فوق أراضيها. إلی جانب تسخير أجواهئها لعبور الطائرات الحربية الأميركية التي تنقل الذخيرة لكيان الاحتلال، هذا ونشرت قيادة المركزية الأمريكية الوسطی، علی حسابها علی منصةX، أن طائرة KC-135 Stratotanker نفذت عملية تزويد بالوقود جوا في سماء المنطقة لقاذفة القنابل الاستراتيجية b1- لانسر والتي أرسلتها واشنطن لدعم كيان العدو الإسرائيلي. وتبع ذلك تدقيقا من إعلامي يمني، نشر أنه من خلال تتبع مسارات التحليق لهذه القاذفة المخصصة لحماية ودعم كيان العدو الإسرائيلي تم الكشف عن قيامها برحلة ذهاب وإياب إلی سماء “السعودية” وتحديدا العاصمة الرياض.
وألحق صورة أخری تثبت رصد طائرة KC-135 تحلق في سماء الرياض لتنفيذ مهمة التزويد بالوقود ثم اتجهت شمالا. وأضاف الصحفي زكريا الشرعبي، أنه تم رصد طائرتين أيضا من نفس النوع تقلعان من قاعدة الأمير سلطان في الرياض وتتجهان غربا لتزويد الدوريات الجوية القتالية الإسرائيلية والإمريكية في سماء البحر الأحمر.
وجدير بالذكر ما تناولته صحيفة فايننشال تايمز مسألة التصادم الحاصل في “السعودية” بين سياسة “النظام” مع الموقف الشعبي، تجاه فلسطين بشكل عام وما يحصل في غزة اليوم علی وجه الخصوص. حيث تستعرض بعضا من مقابلاتها مع مدنيين سعوديين يعكسون الرأي العام الحقيقي “المقموع” في البلاد تجاه هذه القضايا.
كما أشارت الصحيفة إلی أن “العديد من السعوديين يشعرون بالتضامن العميق مع الضحايا الفلسطينيين للعدوان الإسرائيلي الذي استمر خمسة أشهر علی غزة،” ولكن تلفت إلی أن “القلق يسيطر علی القيادة السعودية، التي كانت تقترب قبل الحرب من التوصل إلی اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فإن قادة السعودية يشعرون بالقلق إزاء التهديد الذي يفرضه الصراع المطول في غزة علی فرصها في استئناف هذه العملية، فضلاً عن خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتماسك المملكة”.