يقال إن أحد الأسباب خلف تحديد فترتين لرئاسة الدولة في الدول الديمقراطية يعود إلی الطبيعة البشرية للحاكم الذي يبدأ بعد 10 أعوام في سدّة الحكم بافتقاد الرغبة في إدارة شؤون البلاد والعباد، فيبدأ بالاعتماد بشكل شبه كامل علی حاشيته ومستشاريه في اتخاذ القرارات وإدارة الدولة، ويتفرّغ هو لهواياته وما يجلب له السعادة.
ولك أن تتخيل حال الدول الديكتاتورية التي يبقی فيها الحاكم حتی آخر لحظات حياته جالساً علی الكرسي، خصوصاً إذا تولی مقاليد الحكم في سنّ مبكرة، وهذا هو الحال مع الملك حمد بن عيسی آل خليفة، الذي يتولی حكم البحرين منذ 25 عاماً، ويمكن للمتابع العادي أن يلحظ حجم السأم والملل الذي يتملّكه ما إن كانت المناسبة أو الفعالية مرتبطة بإدارة شؤون البلاد، فيما لا تفارقه الضحكة العريضة إن كان الأمر متعلقاً بهواية من هواياته.
قبل يومين توجه الملك للنادي الملكي للجولف، لمشاهدة ختام منافسات النسخة الأولی لـ "بطولة البحرين الدولية للجولف"، وهي فعالية مستحدثة مثلها مثل عشرات الفعاليات وهوايات أبناء الأسرة الحاكمة التي تكلّف ميزانية الدولة الملايين دون أي مردود مادي حقيقي في ظل شح الموارد وتراكم الديون.
بعيداً عن ذلك، انتهت البطولة "الدولية" التي لم تسمع بها سوی صحف البحرين، ألقی جلالته كلمة مقتضبة ذكر فيها أن البحرين كانت أول دولة في المنطقة يكتشف فيها النفط (ولا أحد يعلم سبب ذكره لهذه المعلومة غير المرتبطة بالفعالية)، وبعد ذلك قام الملك بتكريم نجليه ناصر وخالد، ووزيرة السياحة فاطمة الصيرفي، وزير المالية سلمان بن خليفة، بالإضافة إلی تكريم رعاة البطولة "بابكو انرجيز، النادي الملكي للجولف، بتلكو، بنك البحرين الوطني وتمكين".
ولأن الملك كان يمارس هوايته بعيداً عن إدارة الدولة وشؤونها، فقد توجه لاحقاً لتبادل أطراف الحديث والتقاط الصور مع الحاضرين، وأثناء توجهه لمغادرة النادي، صرخت إحدی الفتيات طالبة توقيعه إن أمكن. اقترب منها الملك ومن معه علی الفور، وبابتسامة عريضة قام بالتوقيع علی قبعتها، كما ذكر لها أنه سيقوم بالتصوير معها أيضاً، فيما كان نجله ناصر ترتسم عليه ابتسامة عريضة لأنها تحدثت إليه هو الآخر وطلبت منه طلبات مشابهة.
كلنا نتذكر الملك حين ذهب لزيارة منزل السيد علوي الغريفي رحمه الله قبل 24 عاماً، حينها كان في استقباله السيد عبدالله الغريفي، الذي تلی علی مسامعه رسالة فيها عدد من المطالب والنقاط التي كانت تقلق المعارضة آنذاك قبيل التصويت علی الميثاق، فما كان من الملك بعد نهاية الكلمة إلا أن طلب من السيد الغريفي الورقة التي كان يقرأ منها، ليكتب عليها بخط يده "بكل فخر واعتزاز أضم صوتي معكم" وقام بالتوقيع عليها. (أفيد لاحقاً بأنه طلب الاستحواذ علی النسخة الأصلية من هذه الوثيقة بحجّة الاحتفاظ بها في أرشيف الدولة).
حينها لم يكن حمد بن عيسی قد أمضی عامه الأول علی رأس الدولة، كانت لديه الرغبة والاهتمام بإدارة شؤون البلاد، أما اليوم فهو أشبه ما يكون بأحد المشاهير الذين يستمتعون بحضور الفعاليات المرحة والتوقيع والتصوير مع المعجبين والمعجبات، وهو أبعد ما يكون عن كونه ملكاً أو حاكماً.
المصدر: مرآة البحرين