بالشكل وعلی الرغم من ارتدائه الملابس الخليجية التقليدية، فضّل سلمان بن حمد التحدث باللغة الإنجليزية عوضاً عن العربية.
تحتم البروتوكولات المعمول بها في كل دول العالم أن يتحدث المسؤول بلغة بلده، لكن البعض يتسامح في ذلك إن كان حديث المسؤول قد تم خارج حدود بلاده وفي دولة أجنبية لا تتحدث اللغة ذاتها. يعني أن يتحدث ولي العهد في واشنطن باللغة الإنجليزية فذلك أمر مفهوم - وإن كان البعض يفضل التحدث بلغة بلاده أينما ذهب اعتزازاً وافتخاراً بما يمثّل ومن يمثّل - لكن أن تتحدث في بلدك بلغة أجنبية وأنت ولي عهد ورئيس وزراء فذلك أمر آخر.
عدم الالتزام باللغة العربية في العاصمة المنامة، هو أول صور التخلّي لسلمان بن حمد عن ما يمثّل ومن يمثّل، ففي الوقت الذي كان يدين فيه حركة حماس ويصف هجومها بالبربري والهمجي مستخدماً المعجم الإسرائيلي من الكلمات، كان الآلاف علی امتداد الجزيرة الصغيرة يجوبون الشوارع والطرق، رافعين أعلام فلسطين وحركة حماس، بل شهد ذلك اليوم مسيرة في جزيرة المحرق لأول مرة منذ بدء العدوان شارك فيها مواطنون من الطائفة السنية بكل ما لتلك الخطوة من رمزية ودلالات.
أيضاً في السياق ذاته، وأثناء حديثه، كان جلياً أن ولي العهد يستعرض لهجته القويّة وإجادته الإنجليزية بطلاقة، تماماً كما يفعل ملك الأردن حين يتحدث الإنجليزية أمام الصحفي أو المسؤول الأجنبي، وهي حالة نقص تتملك الباحث عن رضی وإعجاب الرجل الأبيض، ذاك الذي يريد أن يقول لهم، انظروا إليّ أنا منكم لا منهم، أنا أمثّلكم وأستخدم لغتكم ومصطلحاتكم، أنا لا أنتمي لهؤلاء المتخلفين الرجعيين أصحاب اللغة الخشبية.
بعيداً عن الشكل فإن المضمون لم يكن أقل سوءاً، حين قرر إدانة حماس وعدم الاكتراث للسبب الحقيقي وراء ما حدث في 7 أكتوبر. نحن هنا أمام حالة تستحق التوقف، فالبحرين دولة عربية ويحفظ أهلها في وجدانهم النكبة والنكسة وما بينهما وبعدهما.
إن المجازر التي ارتكبتها آلة القتل الإسرائيلية محفورة في ذاكرتنا من مجزرة دير ياسين في 1948 مرورا بصبرا وشاتيلا 1982 وقانا 1996 وانتهاءً بمجازر غزة الأخيرة في 2023، إنه من الصعب علی العربي أن لا يستحضر كل هذه المشاهد في وجدانه وهو يتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي، أياً كانت وجهة نظره أو رؤيته للحل.
لكن ولي عهد العائلة قرر أن يتحدث كأي غربي لا علاقة له بهذا الصراع أو حتی علم بتفاصيله، وهو غير ناجم بالتأكيد من عدم معرفة أو دراية.
إن ما تفوّه به هو النتيجة الحتمية للهرولة الحماسية للتطبيع مع هذا الكيان رغم الرفض الشعبي القاطع والجازم وشبه الشامل لهذه الخطوة المقيتة.
قبل ثلاثة أعوام حين قرر النظام السير في التطبيع، قال حينها - وقالت الإمارات أيضاً - أنه يهدف إلی مد جسور مع الكيان بهدف إيصال الصوت الفلسطيني، وتخفيف معاناتهم والوصول لحل منصف لهذه القضية التي بقيت تؤرقنا منذ 75 عاماً، لكن الزمن أجابنا بعكس ما تفوهوا به، لقد تحول التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان إلی ضوء أخضر لممارسة مزيد من الغطرسة وارتكاب المزيد من المجازر، حتی بات الأمر يتحول إلی غطاء من هذه الدول للكيان.
واليوم فإن خطاب ولي العهد البحريني المنسلخ من هويته العربية والإسلامية، هو خطاب يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن خطوة التطبيع نقلت البحرين (حكومة ومواقف رسمية) إلی جانب العدو، في قبال الفلسطينيين وحقوقهم، ولم تكن إلا قفزة إلی الأمام في سياق تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل سلمان بن حمد وكل هذا النظام المطبّع شريكاً في دماء الفلسطينيين لا أقل من ذلك.
المصدر: مرآة البحرين