الدبلوماسية الخائبة.. كيف أضاع ملك البحرين هيبة بلاده؟

يُثير تصريح ملك البحرين حول قوّة دبلوماسية حكومته مزيدًا من السخط ومزيدًا من الأسف، ويُعيد طرح السؤال حول أهليّته لإدارة حُكم المملكة بعد أن أفقدها المقدار القليل من الهيبة السياسية التي كانت تتمتّع بها.
الدبلوماسية الخائبة.. كيف أضاع ملك البحرين هيبة بلاده؟

إن بناء القوّة الدبلوماسية يُعدّ واحدًا من من ضمن أهمّ المؤشرات السياسية علی قوّة الدولة ونفوذها، كما تعكس السياسات الدبلوماسية جزءًا كبيرًا من نمط وطبيعة النظام الحاكم في أيّ بلد، إذ تُظهر الدبلوماسية مدة امتلاك نظام الحكم لقوّة تخطيطية ورؤی استراتيجية ومقدار المرونة المطلوبة في عقد توازن ناجح بين مصادر القوّة في الدولة وبين التحديات التي يمتلئ بها النظام الدولي.

وفق هذا التخطيط، أثبتت دبلوماسية البحرين عجزًا واضحًا في إيجاد توازن مرضٍ يحقّق مصالح البحرين باعتبارها دولة صغيرة محدودة الموارد، وبين دبلوماسية قوّة تبعد شبح المخاطر عن البلاد داخليًا وخارجيًا.

عمليًا كانت دبلوماسية نظام الحكم في البحرين تشتغل علی مبدأ بعيد كل البُعد عن نظريات الدبلوماسية التي تتبعها الدول الصغيرة والقائمة علی فكرة الابتعاد قدر الامكان عن مواقع الخطر الخارجي، وأن تعمل الدبلوماسية علی توفير فرص بناء تماسك داخلي يجبُر ضعفها الإقليمي. فقد اتّبع الملك سياسة دبلوماسية تقوم علی الانخراط التام في المشاكل الإقليمية والمزايدة علی مواقف الأطراف المتورّطة فيها.

ويمكن وضع سجل حافل بمثل تلك الدبلوماسية الفاشلة التي أتت بنتائج وخيمة تضرّ بسمعة البحرين وبمصالحها الاستراتيجية. الجميع يتذكر أن البحرين هي الدولة الوحيدة في الإقليم التي لا تزال تُثير المتاعب في استقرار علاقتها مع إيران، وهي الدولة الأخيرة التي لا تزال علاقتها مع قطر متوتّرة وغير قابلة للجبر رغم انخراط أطراف الأزمة القطرية في مصالحة عملية وسياسية.

كذلك، فإن البحرين هي الدولة الوحيدة بعد الإمارات التي تنخرط في اتفاقيات التطبيع بما يفوق توقعات الكيان الاسرائيلي، وهي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي تعلن مشاركتها في حرب متهوّرة علی اليمن، كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي دافعت عن مجازر الإبادة الجماعية في غزة.

إذًا، عن ماذا يتحدث ملك البحرين عندما يصف دبلوماسية حكومته بأنها تمتلك قوّة وبأنها جلبت الكثير من المصالح للبلاد؟

يندرج تصريح الملك في خانة أخری لا تمسّ مسار تحليل الدبلوماسية الواقعية، وتعكس تصريحاته الإعلامية طبيعة العزلة التي يعيشها نظام حكمه داخليًا وخارجيًا إذ يتصرّف وكأنه البطل القومي والمخلّص الموعود.

ما من شكّ أن تلك التصريحات تقع تحت خانة وهم العظمة ووهم الشعور بالتضخّم المؤذي للشخص نفسه لدرجة أنه يفقد صلته بالواقع ولا يعد قادرًا علی إدارك ما يجری حوله، وبالتالي فإن القرارات الوخيمة والكارثية تتحوّل لديه إلی تصوّرات ذهانية تبعدها عن الواقع.

في السياق ذاته، وبتفعيل معرفتنا بكيفية اتخاذ القرار داخل نظام الحكم في البحرين، تبدو المسألة متّجهة ناحية مسار آخر ، إذ لا بدّ من العثور علی مقدار من المصلحة ولو كان ضيئلًا كي يستمر الملك في لعبة التضخّم والهذيان السياسي.

ويبدو من جَمْعِ كثيرٍ من القرائن أن المصلحة الدافعة لنظام البحرين هنا تتمثّل في محاولة جني أموال إضافية والحصول علی مكافآت اقتصادية تذهب غالبتها لخزينة عائلة الحكم في البحرين، وبالتالي فإن هناك صفقات لا تبدو واضحة قوامها بيع المواقف الدبلوماسية التي تحتاجها دول الإقليم مقابل الحصول علی بعض المساعدات المالية الخاصة.

وعليه، هل يصحّ بعد ذلك الحديث عن قوّة دبلوماسية أو صحّة مواقف خارجية؟ ما من شكّ أن الأساس هنا هو تحويل الدبلوماسية إلی سوق خاصة تعرض فيها حكومة البحرين المواقف المتطرّفة والتي تتجنّب دول الإقليم التعبير عنها او اتخاذ موقف واضح فيها مقابل الحصول علی بعض الدعم الاقتصادي الخاص.

الباحث عباس المرشد - لندن