هل يحتاج نظام البحرين إلی التأديب؟

مع توغل النظام البحريني في اتفاقيات التطبيع الأمنية والعسكرية ومنح اسرائيل صلاحية انشاء قاعدة عسكرية بحرية ضمن محيط قاعدة الاسطول الامريكي الخامس يصبح واضحا أن نظام البحرين تحول فعليا إلی عنصر من عناصر الاستراتيجية الاسرائيلية في المنطقة وبات محكوما حتما بالعمل علی تنفيذ تلك الاتفاقيات والالتزام بها.
هل يحتاج نظام البحرين إلی التأديب؟

استخدمُ مفردة النظام هنا بقصد إخراج ما يمسی بالحكومة من المعادلة، إذ يبدو واضحا في قرار اشتراك نظام البحرين في الحرب الهمجية علی اليمن أنه قرار مركزي يتم اتخاذه ضمن مركز صناعة القرار في النظام البحرين لهذا لا تعرض مثل هذه القرارات علی مجلس الوزراء ولا علی المؤسسة الرديفة له كمجلس النواب أو الشوری لهامشيتهما السياسية والفعلية.

في صناعة القرار الاستراتيجي في داخل النظام البحريني تبرز مؤسستين رئيسيتين هما مؤسسة الديوان الملكي والأخری مجلس الدفاع الأعلی، فعبر هاتين المؤسستين تصاغ الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية للدولة وعلی باقي المؤسسات العمل الجاد لتنفيذ تلك الرؤی وتلك القرارات.

ففي قصر الصخير يجتمع الملك بأولاده سلمان وناصر والقائد العام لقوة الدفاع ووزير الداخلية ورئيس جهاز الامن الوطني بالإضافة الی وزيري الداخلية والمالية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالدفاع والأمن.

سابقا كان المجلس يتبع رئاسة الوزراء ولكن منذ يناير 2003 أصدر حمد بن عيسی مرسوما توج نفسه رئيسا للمجلس ونقل صلاحياته إليه وفي عام 2020 عين نجله ناصر حمد أمنيا عاما للأمانة العامة للمجلس.

والحال أن هذا المجلس عبر توسيع متواصل لصلاحياته أصبح مختصا بإقرار الاستراتيجيات وبرامج التطوير المتعلقة بالأمن الوطني ببعديها الداخلي والخارجي، وما يتعلق بالأمن الاقتصادي وحماية الثروات الطبيعية واستثمارها ومصادر الطاقة بجميع أشكالها بما يكفل تحقيق الصالح العام.

كما يختص المجلس بإقرار الحرب الدفاعية عن المملكة وإبرام المعاهدات ذات الطابع العسكري وعقد الصلح، والاطلاع علی الموازنة المتعلقة بمشروعات التسليح والتطوير واتخاذ ما يراه من قرارات مناسبة، والاشراف علی تنسيق التعاون بين مختلف الاجهزة في المملكة في الشئون الدفاعية، واصدار التوجيهات إلی ممثلي المملكة في هيئة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وقتها أصدر عدد من المراقبين تنبيهات إلی خطورة هذا المجلس والصلاحيات المطلقة التي يتمع بها وتهميش كافة المؤسسات السياسية والاقتصادية الاخری، فقد حولت مراسيم توسيع صلاحيات مجلس الدفاع الأعلی المجلس إلی حكومة فعلية تدير شئون البحرين الداخلية والخارجية وتضع كافة القرارات كحكومة خفية غير شرعية.

فيما يتصل بمشاركة نظام البحرين في العدوان الأخير علی اليمن يبدو واضحا ان هناك ثلاثة روافد رئيسة تدفع بمجلس الدفاع الأعلی في البحرين لاتخذا قرار الخطيئة التاريخية والسياسية كما سنری في تحليل الانعكاسات.

تمثل اتفاقيات التطبيع أهم رافد من تلك الروافد ومن غير الخفي هنا أن قرار التطبيع مع إسرائيل هو قرار مجلس الدفاع الأعلی تحديدا برعاية شخصية من الملك ونجليه ناصر وسلمان وتنص إحدی فقرات اتفاقية ابراهام علی التعاضد السياسي والمساندة بين البلدين في حال تعرض أي منها للحرب.

ومع توغل النظام البحريني في اتفاقيات التطبيع الأمنية والعسكرية ومنح اسرائيل صلاحية انشاء قاعدة عسكرية بحرية ضمن محيط قاعدة الاسطول الامريكي الخامس يصبح واضحا أن نظام البحرين تحول فعليا إلی عنصر من عناصر الاستراتيجية الاسرائيلية في المنطقة وبات محكوما حتما بالعمل علی تنفيذ تلك الاتفاقيات والالتزام بها.

ولعل هذا يفسر عدم استجابة نظام الحكم في البحرين للمطالب الشعبية المطالبة بإلغاء اتفاقيات التطبيع بل ومواجهة تلك المطالب بقوة بوليسية حصدت اعتقال عشرات من المشاركين وإصدار احكام قضائية بالسجن علی عدد كبير منهم.

الرافد الثاني هو الاتفاقية الأمنية الأمريكية التي وقعها ولي العهد قبل عدة أشهر في واشنطن والتي تنص صراحة علی التزام البحرين بالموقف الامريكي العسكري في المنطقة.

وتلك الاتفاقية ألغت عمليا أي استقلالية سياسية خارجية للبحرين وربطت كافة المواقف الخارجية بالموقف الامريكي.

فكان من الطبيعي أن تدرج الولايات المتحدة الامريكية البحرين في أي تحرك عسكري في المنطقة دون ان تحتاج إلی استشارتها أو أخذ رأيها في الأمر وتكتفي بما يسمی إشعار إخبار.

وعليه فليس غريبا أن يصرح الرئيس الامريكي بايدن أن البحرين كانت ضمن القوی المشاركة في عدوان يوم أمس ويلتزم النظام البحريني الصمت وعدم التعليق.

الرافد الثالث هو الدور الوظيفي الذي رسمه مجلس الدفاع الأعلی للبحرين ضمن تحالفات ومعادلات القوی الإقليمية إذ بات النظام يكرر دوره الوظيفي في اي أزمة تجتاح المنطقة وهو يؤدي ذلك الدور بكثير من المزايدة والتصنع السياسي الأمر الذي يفقده الهيبة السياسية والثقة السياسية المطلوبة لأي نظام سياسي ولأنه يفتقد إلی الشرعية السياسية الداخلية يلجأ إلی تعليق أزماته الداخلية علی شماعات أزمات المنطقة ويقوم بتأدية الأدوار القذرة التي تتعفف بقية الأنظمة عن تأديتها.

وإذا ما دققنا النظر في الروافد الثلاثة فلن نجد مبررا سياسيا او ضرورة عسكرية او سياسية تدعو نظام البحرين للانخراط في عدوان شرس وتصعيد همجي إلا أن تكون الهمجية والفوضی في اتخاذ القرارات تعكس طبيعة النظام وبالتالي طبيعة التعامل معه.

إن قرار مشاركة نظام البحرين في العدوان علی اليمن حتی وإن كان شكليا وبلا مساهمة فعلية يقدم دليلا ملموسا علی حاجة نظام البحرين للتأديب السياسي،وكونه نظاما فاقدا للرشد السياسي.

نعم سيلجأ النظام هنا إلی جوقة إعلامية تزايد علی الوطنية لتقديم دعم ساذج لقرارات مجلس الدفاع الأعلی والعصبة المسوؤلة عن تعريض أمن البحرين للخطر الفعلي إذا ما قررت الحكومة اليمنية الرد علی الجهات المشاركة في العدوان.

في المحصلة أثبتت مشاركة نظام البحرين في الحرب علی اليمن أن البحرين بحاجة إلی نظام سياسي جديد وأن النظام الحالي بات معزولا داخليا وخارجيا.

يضاف إلی كل ذلك فشله في تحقيق مساحة من الثقة السياسية المطلوبة في أوقات الأزمات والتحولات الإقليمية الكبری كالتي نعيشها الآن.

ولكن أفراد مجلس الدفاع الأعلی وجدوا في قرار الاشتراك في العدوان بابا جديدا للاستيلاء المنظم علی ثروات البلاد ورفع موازنة التسليح والدفاع من هذا الباب فلا يمكن لاحد بعد الآن مساءلة الحكومة عن فائض الموازنة ولا عن الرقابة المالية ولا عن الفساد المالي ولا عن الانتقام السياسي الذي سيطال عدد من الناشطين علی خلفية رفضهم لقرار المشاركة في العدوان

الباحث عباس المرشد - لندن