المَلِكُ المعزول.. ثلاثةُ أسئلة تخصّ عائلةَ الحكمِ في البحرين

عباس مرشد: أعتقدُ أنّ هذهِ الأسئلة هي الأسئلةُ الحائرةُ التي تشكلُ في جزءٍ منها جزءًا كبيرًا من مُخيّلتنا السياسيةِ المُصادَرة، أو بتعبير البعض هي الأسئلةُ المكسوتُ عنها.
المَلِكُ المعزول.. ثلاثةُ أسئلة تخصّ عائلةَ الحكمِ في البحرين

الباحث عباس المرشد - لندن
ما الذي تحتاجه البحرين لتخطّي آثار عقدين من الاستبداد السياسي؟ وكيف يمكن للجزيرة الصغيرة أن تُعيد ترتيب أوضاعها للمشهد السياسي في العقد القادم؟ وهل يُشكّل الملك الحالي عقبة من عقبات الحلّ السياسي؟

أعتقدُ أنّ هذهِ الأسئلة هي الأسئلةُ الحائرةُ التي تشكلُ في جزءٍ منها جزءًا كبيرًا من مُخيّلتنا السياسيةِ المُصادَرة، أو بتعبير البعض هي الأسئلةُ المكسوتُ عنها.

بدأ الملكُ الحالي أزمتَه مع المواطنين وقوی المعارضة في فبراير/شباط 2002 عندما أصدرَ منفردًا دستورًا ألغی به الدستورَ العقْدي وضمنّه ما يشبه الصلاحيات المُطلقة للملك، وصادرَ في كثيرٍ من موادِه الحقوقَ السياسيةِ المُكتسبة في دستور 1973. لقد ولّد هذا القرار أزمة سياسية خانقة وأدخل البلاد في دوامة من الاتهامات السياسية المتبادلة وحوّل الحياة السياسية إلی ما يُشبه في اللغة السياسية بمأزق عنق الزجاجة، فحجم الدمار السياسي الذي أحدثهُ دستورُ 2002 كبيرٌ جدًا والمخرجُ المسموح حكوميًا وإقليمًا به ضيّقٌ جدًا علی الجسدِ السياسي للبحرين.

من الطبيعي أن يكون التطبيع مع الكيان المؤقت قد زاد من مِحنة البحرين ووسّعَ الفجوةَ بين المَلك والشعب، إذ يستحيل جمع إرادة التطبيع مع إرادة التحرير، بل إن الملك والديوان الملكي سعيا إلی الانخراط في تحالف دولي لحماية مصالح الكيان المؤقت. كان ذاك القرار وخيمَ العاقبة علی سُمعة البحرين وسُمعة عائلة الحكم فيها، فهي الدولة العربية الوحيدة التي رضيت أن تكون الطرف الرسمي في تحالف أمريكي فشل منذ لحظات الإعلان الأولی عنه.

في كلّ الأحوال ونتيجة لكلّ المأزق الداخلي وما أنتجه من انسدادٍ سياسي مؤلم ونتيجة لتصرفات أقرب ما تكون إلی التصرفات الخرقاء في الإقليم، أصبح الملك معزولًا من ناحية شعبية ومكروهًا في المحيط العربي والإسلامي. وفي الحقيقة لم يقتصر هذا الأمر علی جانب الجماهير والشعوب، بل إن عزلةَ المَلِك باتتْ أمرًا مفضوحًا، وتتحدث عنه أكثر من جهة رسمية في دول الجوار. وربما كانت تلك العزلة سببًا من أسباب عدم مُشاركة الملك بشخصه في العديد من المناسبات الإقليمية.

إذًا ما الذي تحتاجه البحرين للخروج من أزمتها وتخطي مسيرة عقديْن من الاستبداد السياسي؟ الإجابة وإن كانت سهلة نظريًا وعقلانيًا، لكنها صعبةٌ من ناحية واقعية. الملك وعائلة الحكم عاجزة أو تمتنع عن الاعتراف بوجود الأزمة، وتعمل بكل وسائلها الإعلامية وأساليب الترهيب المتّبعة لديها علی إنكار وجود الأزمة السياسية وتقدّم السيطرة الأمنية، من خلال اعتقال القيادات السياسية ومنع الحريات العامة وفرض حالة طوارئ غير معلنة علی أنها النهايات السعيدة لمشروع دستور 2002 وما تلاه من كوراث سياسية وانتهاكات حقوقية صارخة، في حين أن الواقع يخضع لترتيبات أخری قد تُعيد تفجّره في أيّة لحظة سياسية غير متوقعة. وبالتالي فإن رهن رخاء البحرين وتعافيها السياسي بالسيطرة الأمنية هو نفسه الرهان الذي عوّل عليه بلجريف ومن بعده أندرسون ومن بعده المشير وحاشية الديوان الملكي.

هي كما يظهر رهانات تُنتجها قوی استعمارية تستهدف تفتيت المجتمع والسيطرة علی جسده السياسي من جهة، ومن جهة أخری هي رهانات خاسرة وأثبتت فشلها المستديم. إن الحاجة إلی إطلاق مشروع سياسي جديد تُشارك في وضعه وصياغة معالمه القيادات السياسية المعتقلة، ويُشارك فيه جمهور المُعارضة يبدو مخرجًا سهلًا ومريحًا لكل الأطراف، ومن شأنه أن يفك جزءًا من عزلة الملك ونظامه. هناك حاجة ماسّة إلی نبذ الاستبداد وتخليص المنظومة الدستورية والقانونية من تلك الآثار السيئة والبعيّدة عن الحكم الرشيد.

مثل هذه الحاجة الملحّة تبدو عصية علی التحقّق الخارجي في ظل استمرار الملك الحالي بشخصه، إذ يذهب البعض إلی أن تفريغ البحرين من مضمونها السياسي وإلحاقها بإرادات بعض الدول الإقليمية، هي رغبات شخصية للملك عمل علی تنفيذها منذ 2002، وبالتالي لن يفرّط في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة لمشروعه، وهذا يجعل من توقع أيّ انفراج سياسي مُحاط بإنكسار مشروع الملك.

علی الرغم من ذلك، فإن الاستدارة السياسية - إذا ما قرّر الملك أن يكون عقلانيًا - لا تزال مُتاحة وبالإمكان ترتيب مشهد سياسي يُعيد هيكلة المملكة بما يلائم والانتقال الديمقراطي السليم والقائم علی التراضي والعقد الاجتماعي المقبول شعبيًا.