الشارع البحريني يرفض قرارات الحكومة.. “لا تحالف، لا تطبيع”

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل التحالف الدولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تحت مسمی “المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات”، وجاءت البحرين ضمن البيان ـ كإحدی دول التحالف، وهي البلد العربي الوحيد فيه
الشارع البحريني يرفض قرارات الحكومة.. “لا تحالف، لا تطبيع”

 

نزيهة سعيد - مواطن
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل التحالف الدولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تحت مسمی “المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات”، وجاءت البحرين ضمن البيان ـ كإحدی دول التحالف، وهي البلد العربي الوحيد فيه، ويأتي تشكيل هذا التحالف في أعقاب عمليات قامت بها جماعة الحوثيون تجاه ناقلات نفط وسفن شحن وغيرها في البحر الأحمر، معتبرين أنهم بذلك يمارسون ضغوطًا علی إسرائيل التي تهاجم غزة منذ أكثر من شهرين.

وهو ما أثار غضب البحرينيين الذين انتقدوا القرار منذ اللحظة الأولی، وعلی رأسهم الأمين العام السابق لجمعية العمل الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف، الذي اعتقلته السلطات البحرينية بعد منشورات انتقد فيها قرار البحرين بالانضمام إلی التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

إلا أن شريف ليس الوحيد الذي انتقد هذا القرار، منهم الناشطة سبيكة الشملان التي قالت: “أرفض مشاركة البحرين في التحالف الذي تقوده أمريكا لدعم جرائم الصهاينة بذريعة حماية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. أرفض إشراك البحرين في الدفاع عن مصالح الكيان الصهيوني”. كما عبر عدد من الناشطين والمواطنين عن رفض القرار أيضًا.

"لا تحالف.. لا تطبيع"
وانتشر وسم #بحرينيون_ضد_التحالف إلی جانب #بحرينيون_ضد_التطبيع الذي ينشط منذ ثلاث سنوات، وهي عمر توقيع البحرين علی الاتفاقيات الإبراهيمية، وكتب النائب السابق في البرلمان البحريني جميل الجمري: “أميركا متورطة في جرائم الإبادة لأهالي غزة، وتسعی لتوريط دول أخری معها، في مسعی لتوسيع رقعة الحرب خدمة للمصالح الصهيونية، وإني كمواطن بحريني أرفض أية مشاركة لبلدي في تحالف يعين إسرائيل علی الاستمرار في جرائمه ومحاصرته لغزة”.

النشر علی وسائل التواصل الاجتماعي ليس الطريقة الوحيدة التي عبر فيها البحرينيون عن رفضهم واستنكارهم انضمام البحرين لهذا التحالف، الذي يهدف “لضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين”، فقد خرج البحرينيون في تظاهرات رافضة للانضمام للتحالف، ورافضة للتطبيع مع إسرائيل، ومطالبة بإلغاء الاتفاقيات وطرد السفير الإسرائيلي.

عن ذلك يقول لمواطن، رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان جواد فيروز: “يُعزی سبب مشاركة البحرين في التحالف، هو وجود قاعدة الأسطول الأمريكي البحري الخامس، التابع لسلاح البحرية الأميركي في البحرين، وهو أكثر الأساطيل الأميركية الإستراتيجية أهمية في تأمين إمدادات النفط من الخليج إلی الأسواق العالمية، وللإشراف علی العمليات الملاحية في منطقة الخليج العربي، وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي”.

ويضيف: “فقد وقعت المنامة في أكتوبر/ تشرين الأول 1991 وواشنطن اتفاقًا عرف باسم «التعاون الدفاعي»، ومنذ 1993 أصبحت القيادة المركزية للبحرية الأميركية، مقيمة في البحرين، ومنذ يوليو/ تموز 1995 استضافت البحرين الأسطول الأميركي الخامس، لذا فالبحرين ملزمة ضمن اتفاقية وجود هذه القاعدة علی أراضيها، بالمشاركة في أي تحالف تشارك فيها الولايات المتحدة الأميركية، في نطاق مهام هذا الأسطول الأمريكي”.

وفي إحدی المظاهرات التي جابت شوارع المنامة رفضًا للانضمام للتحالف، سُمي التحالف الدولي بـ”تحالف الخساسة“، فيما هتفت الجموع التي اجتمعت في اعتصام أمام الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، تحت عنوان (لا تحالف لا تطبيع)، “لا تحالف لا تطبيع.. شعب البحرين ما راح يبيع“.

وتقول النائبة حنان الفردان أن “شعب البحرين بكل أطيافه وألوانه واتجاهاته عبر عن أعلی درجات التضامن مع أشقائنا في غزة، الذين يواجهون حرب ابادة وعدوان غاشم من الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر عدد واسع من التظاهرات والاعتصامات والفعاليات والاحتفالات الجماهيرية، فالشارع البحريني يری قضية فلسطين المحتلة بوصفها قضيته العربية والإسلامية الأولی والأساسية، وهو متمسك بالتضامن التام وغير المشروط مع أشقائه الفلسطينيين بمختلف أطيافهم، ورفض التطبيع مع الكيان الاسرائيلي الغاصب بمختلف صوره”.

وأضافت لمواطن: “من موقعي كنائب في البرلمان عبرت عن موقف شعب البحرين في رفض التطبيع، والتضامن مع الإخوة الفلسطينين في قاعة البرلمان، كما شاركت إلی جانب زملائي النواب في التوقيع علی خطاب يناشد ملك البلاد الغاء اتفاقية  التطبيع مع إسرائيل، كرد فعل علی الجرائم الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، وعلی الخصوص قطاع غزة واستجابة للإرادة الشعبية، والمطلب الذي يجمع عليه شعب البحرين بجميع أطيافه في هذا المجال”.

وقالت الناشطة الشبابية لمياء علي: “بعد مُضيّ ثلاثة أعوامٍ علی عقد ما يسمی بالاتفاقيات الإبراهيمية، من الواضح أن التطبيع مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا باستقرار أنظمة الحكم الملكية في الخليج العربي كما هو وجود القواعد الأمريكية في المنطقة، كما أن التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني هو تطبيع غير مشروط، فلم تهتزّ الاتفاقيات الإبراهيمية حين تمادی الاستيطان الصهيوني في القدس الشريف في مايو/أيار 2021، ولم تهتز اليوم رغم المجازر وحرب الإبادة في غزة”.

وتضيف لمواطن: “في كل أزمة سياسية تمرّ بها البحرين، تعوّل السلطات علی تنوع الهويّات المذهبية والإثنية لتقسيم الشارع البحرينيّ ولكننا نری اليوم أن البحرينيين أجمعوا رغم كل اختلافاتهم علی أن فلسطين قضية محورية وجوهرية، وأنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني يشعرهم بالخزي”.

وتكمل قائلة، “فمن غير المعقول أن يتم تعطيل أدوات ديمقراطية تقرّب الشعب من السلطة الحاكمة ومن غير المعقول الاستهانة بصوت المواطنين في ما يتعلق بقضايا تمسّ أمنهم  ورباطهم التاريخيّ بمحيطهم العربيّ، تؤمن كافة أطياف الشعب البحريني بقُدسية فلسطين، ومن الحماقة تجاهل حجم هذه القدسية في قلوب البحرينيين، وما تعنيه وحدة الشعب كلّه في ظلّ تعنت السلطات”.

مخاطر أمنية
وأوضح الناشط الشبابي غسان نصيف، أن الانضمام لهكذا تحالف “مرفوض، فهو بشكل واضح يصب في الاتجاه المعاكس لنصرة الشعب الفلسطيني، الذي يطالب به الغالبية العظمی من المواطنين البحرينيين، والذي قالت الحكومة والحكم بشكل رسمي وفي مناسبات متكررة أنها أيضًا هذا ما تريده”.

ويری نصيف أنه “قرار لا يمكن تبريره، فالحكومة ستكون خاسرة في كل الأحوال، عندما تقوم بعمل لا يقبل به الغالبية العظمی من الشعب، وهنا هي تبين لجيل جديد أن طريق المعارضة هو الطريق الصحيح، أما أمنيًا، فأن دخول الحرب وبشكل رسمي لبلد صغير وضد أشقاء لنا سيعرضنا كبلد لكثير من المخاطر الأمنية، والتي لسنا مجبورين أو مطلوب منا في الأصل الدخول فيها، لا أفهم لماذا نضع نفسنا في احتمال تعرضنا للخطر بينما كنا في أمان منه” يتسائل.

وأشار نصيف خلال حديثه لمواطن: “هذا كله بالإضافة لصورة وسمعة بلدنا الذي تم تشويهه خصوصا بين أخواننا العرب. فالجميع أصبح اليوم يعرف أن النظام عندنا تابع وبشكل سيء لأمريكا وحلفائها، حتی لو كان الموضوع خاص بإحدی القضايا الرئيسية  للشعب، وعلی الحكم التراجع عن الانضمام لهذا التحالف، والرجوع والاعتذار لشعب البحرين وأهلنا في غزة”.

وأشار جواد فيروز إلی أن “هناك شبهة دستورية في مشاركة البحرين في هكذا تحالف في إطار عمليات حربية، وذلك استنادًا إلی المادة (36) من دستور البحرين “أن الحرب الهجومية محرمة، ويكون إعلان الحرب الدفاعية بمرسوم يعرض فور إعلانها، علی المجلس الوطني للبت في مصيرها”.

وكذلك المادة (37) “يبرم الملك المعاهدات بمرسوم، ويبلغها إلی مجلسي الشوری والنواب فورًا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية”، لذا فحسب هاتين المادتين فإن كان طابع المشاركة في التحالف هجومي فهو محرّم بنص الدستور، وإذا دفاعي فيجب أن يعلن بمرسوم فور إعلانها وهذا لم يحصل، وهكذا الحال بشأن معاهدات التحالف”. حد قول فيروز.

ويكمل،كما أن هناك مخاوف واقعية من المشاركة في هكذا تحالف، قد تؤدي إلی مخاطر أمنية وسياسية جمّة تمس استقرار وأمن الوطن والمواطن.

وهو ما تراه لمياء علي، أيضًا: “تم الزج بالبحرين في هذا التحالف لاعتذار كلّ من السعودية والإمارات عن فعل ذلك، وتجنبهم الدخول في صراعٍ جديد مع جماعة أنصار الله في اليمن. لم تتوان هذه الجماعة في السابق عن مهاجمة مصالح استراتيجية في السعودية والإمارات، وباعتقادي أن البحرين تعرّض نفسها لخطر هجوم محتمل، إذا ما فعّلت انضمامها لهذا التحالف بخطوات عسكرية”.

وتؤكد علی إنه، حتی وإن لم ينتج عن ذلك أية تصعيدات، يشكل هذا التحالف تقويضًا لهوية البحرين العربية، ويعزل الجزيرة الصغيرة عن قضايا أمتها وهمومها الكبری.

وتضيف: “من المعيب أن تعد العساكر والجيوش عدتها لحماية السفن والمصالح التجارية، في حين أننا لم نحرك ساكنًا لنصرةِ أهل غزة حتی بعد رحيل أكثر من 20 ألف شهيد. لم ينس ملك البحرين فلسطين وشعبها في خطاب العيد الوطني لهذا العام، فمن اللائق أن نتذكرهم أيضًا في سياساتنا الخارجية ورؤيتنا الإقليمية”.

 ودعت السلطات البحرينية، “ألّا تقبل أن تكون كبش فداء، كما يجب عليها اختيار المُصالحة مع الشعب، وإلغاء التطبيع وتجنب عزل البحرين عن الواقع العربي اليوم، فإن لذلك تبعات عدة تضرّ بمصالح الأسرة الحاكمة قبل الشعب”.

وأختتم جواد فيروز حديثه بالإشارة للجانب الحقوقي: “من الناحية الحقوقية فإن الأولوية، يجب أن تكمن في بذل جميع المساعي لوقف الحرب علی غزة، وإنهاء جميع العمليات العسكرية المرتبطة بذلك والإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية للمنكوبين والضحايا، والأولی بالبحرين المشاركة في هكذا مساعي وليس العكس!”.

يظل الانضمام للتحالف وقبله التوقيع علی اتفاقيات التطبيع، التي تصب في صالح إسرائيل، دون أن يكون لها عائد حقيقي علی القضية الفلسطينية، أو  حقوق الشعب الفلسطيني، مرفوضة من عموم الشعب البحريني، الذي نزل إلی الشوارع هذه المرة ليظهر هذا الرفض، ويستنكر تجاهل السلطات في البحرين لمطالبه والعبث بأمنه.