لماذا لم تدخل فصائل المقاومة حتی الآن في حرب شاملة مع إسرائيل؟

خلال شهرين من الحرب الإسرائيلية علی غزة، تكرر السؤال مرات عديدة، لماذا لم تشن فصائل المقاومة حرباً شاملة ضد إسرائيل؟ سؤال أجاب عليه الوضع الميداني.
لماذا لم تدخل فصائل المقاومة حتی الآن في حرب شاملة مع إسرائيل؟

من تابع التطورات الأخيرة بين فلسطين وإسرائيل، وبين حزب الله وإسرائيل، يعلم أنه في السنتين أو الثلاث سنوات الماضية طُرحت فكرة اسمها «وحدة الساحات».

وهذا البيان صدر عن قادة المقاومة الفلسطينية وحزب الله والسيد حسن نصر الله؛ وخلال حرب "سيف القدس" خاضت حماس حربا مع إسرائيل دعما للقدس والمسجد الأقصی، وحذر نصر الله بعد ذلك من أن المنطقة كلها سترد من الآن فصاعدا علی إهانات إسرائيل للقدس. وليس من المستبعد أن تنجم عن هذه القضية "حرب إقليمية". وفي العام الماضي، أطلقت حركة الجهاد الإسلامي علی صراعها مع إسرائيل الذي حدث في أغسطس/آب 2022 واغتيال تيسير الجعبري، أحد قيادات الجهاد، اسم "وحدة الساحات".

ربما كان هذا الوعد الذي قطعته فصائل المقاومة قبل حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر هذا العام في معظمه علی مستوی النظرية والتهديدات، لكن بعد بدء الحرب وعملية طوفان الأقصی، من جهة، دخل حزب الله المعركة في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، ومن أقصی الشرق فصائل المقاومة العراق وجنوباً اليمن، دخلت الحرب مع الكيان الصهيوني. ولذلك، فقد تحقق أيضاً وعد المقاومة هذا.

وأغلق اليمن معبر البحر الأحمر (باب المندب) أمام السفن الإسرائيلية وأغلق ميناء إيلات، كما استهدفت جماعات المقاومة في العراق المقرات والقواعد التي يتواجد فيها جنود أمريكيون في سوريا والعراق، وبحسب الأمم المتحدة وقد أصيب 66 جنديا حتی الآن. وقد حذر قادة المقاومة، وكذلك إيران، مراراً وتكراراً من أنه كلما زادت جرائم إسرائيل، زاد احتمال اتساع نطاق الحرب.

يوم الخميس (7 ديسمبر/كانون الأول)، أفاد موقع "أكسيوس" نقلاً عن مسؤول في إسرائيل، أنه قبل الحرب البرية، نصحت الولايات المتحدة إسرائيل بعدم الانخراط في حرب عسكرية برية ضد غزة، لكن تل أبيب أعلنت أنه ليس لديها طريقة أخری لتدمير غزة. ولعل أحد أسباب هذه التوصية هو قلق أمريكا من تفعيل نظرية الجبهات الموحدة، والتي يجري حالياً تنفيذ المراحل الأولية لهذه النظرية. ويعتقد العديد من المحللين أن إسرائيل لا تملك القدرة علی القتال علی عدة جبهات في الوقت نفسه. حجة هؤلاء الناس هي أنه في بداية الحرب البرية، كانت إسرائيل بحاجة إلی مساعدة مالية وعسكرية جدية من أمريكا. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنه منذ 7 أكتوبر وحتی الآن (أول 60 يوما من الحرب)، تم إرسال أكثر من 200 طائرة من أمريكا تحمل آلاف الأطنان من الأسلحة والذخيرة إلی إسرائيل، ولا يزال هذا الجسر الجوي قائما. وبحسب الإحصائيات التي نشرتها كتائب القسام خلال شهرين من الحرب، فإن أكثر من 300 من المعدات والمركبات العسكرية، بما في ذلك دبابات ميركافا وناقلات الجند المدرعة والعربات المدرعة، خرجت من ساحة المعركة بعد استهدافها. وبسبب هذه الحاجة الحالية، ألغت إسرائيل العقد السابق لبيع عشرات الدبابات المستعملة إلی أوكرانيا الشهر الماضي.

والآن يُذكر أن أمريكا أعلنت لإسرائيل إنهاء الحرب بنهاية ديسمبر. لذلك، وبما أنه يبدو أن الولايات المتحدة لا تؤمن كثيراً بنجاح الأهداف التي أعلنها بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء)، فإذا كان هناك أي انقطاع أو تردد في الدعم المالي واللوجستي للحرب من الولايات المتحدة كيف تريد إسرائيل مواصلة الحرب؟ وبينما لم يدخل حزب الله بعد في حرب شاملة ويكتفی بالصراع تحت سقف معين، لا يتجاوز 5 إلی 8 كيلومترات من الحدود، فقد حول ثلث قوة الجيش الإسرائيلي لتقليص حجم الضغط علی غزة.

بعد خطاب نصر الله الأول في هذه الحرب، تساءل البعض وجزء من الرأي العام لماذا لم يعلن حزب الله الحرب الشاملة واكتفی بهذا المستوی من الصراع. رداً علی ذلك، ينبغي القول إن حزب الله حتی الآن يخوض معركة خطيرة وصعبة، وقدم عشرات الشهداء وقتل العشرات من إسرائيل، وضرب جميع المنشآت الأمنية والعسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية علی الحدود مع لبنان. ويحدد الوضع الميداني في غزة. وشدد نصرالله علی أن عينك يجب أن تكون علی الميدان. ما يعنيه هذا هو أنه طالما أن حماس تأخذ زمام المبادرة في ساحة المعركة وتسيطر علی الحرب، فلن تكون هناك حاجة لتوسيع الحركة أكثر. بمعنی آخر، المقاومة في غزة تفوقت حتی الآن علی الجيش الإسرائيلي. علماً أن مسؤولي حماس يعلنون صراحةً عن رسالة كل بضعة أيام. الليلة الماضية، أعلن أسامة حمدان هذه الرسالة مرة أخری في المؤتمر الصحفي المسائي الذي يعقده في بيروت؛ وقال حمدان إن المقاومة في غزة تسير بشكل جيد وتدير الحرب. ولذلك فإن جبهات المقاومة الأخری المستعدة تلقت هذه الرسالة وتواصل مراقبة التطورات الميدانية ساعة بساعة وتتصرف بموجبها.

لقد مر اثنان وستون يوماً علی الحرب، وفصائل القسام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي) وفصائل فلسطينية أخری أصبحت خصماً جيداً للجيش الإسرائيلي؛ جيش يتمتع بدعم جوي قوي وأقمار صناعية وطائرات استطلاع بدون طيار ودعم استخباراتي من أجهزة مخابرات الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ولم يحقق الجيش الإسرائيلي حتی الآن أياً من أهدافه المعلنة. لقد مر شهران علی الحرب، ولم يتمكن من تحرير أسراه، ولم يتمكن من القضاء علی حماس. وقد قبلت تل أبيب بالمرحلة الأولی من عملية تبادل الأسری، لأنها لم تحقق أي إنجازات تعرضها علی جبهتها الداخلية والرأي العام.

ولذلك فإن كل التطورات المستقبلية، بما في ذلك إمكانية توسيع نطاق الحرب، تعتمد علی أداء إسرائيل وحماس علی الأرض. وإذا اقتضت الظروف الميدانية، فإن جبهات المقاومة ستزيد الضغط تدريجياً وتلقائياً وفق نظرية الجبهات الموحدة، مع محاولة إبقاء الأضرار في حدها الأدنی لأنها لا تريد الحرب. وبدلاً من ذلك، فإن الأمر متروك لإسرائيل لتحمل المخاطرة وتحويل هذه الحرب إلی حرب إقليمية. ما تقلقه أميركا كثيراً وتحاول إقناع تل أبيب حتی الآن هو إبقاء نطاق الحرب تحت السيطرة. ولذلك رأينا أن تل أبيب ترد بالحد الأدنی علی هجمات الجبهة الشمالية (حزب الله) ولا ترد علی الجبهة الجنوبية (اليمن).

إن وحدة الساحات، أو الجبهات الموحدة، سوف تتحرك تلقائيا إلی الأمام مع الوضع علی الأرض، وإسرائيل هي التي يجب أن تكون حريصة علی عدم فقدان السيطرة علی الوضع. يعلم الجميع أن نتنياهو قدّم أهدافه الشخصية علی أهداف إسرائيل في هذه الحرب، وهو لا يتردد في تورط أميركا بشكل مباشر في الحرب؛ لكن في نهاية المطاف، فإن التطورات الميدانية ساعة بساعة ستحدد مدی تطور نطاق الحرب. وحتی الآن، فشلت إسرائيل -بعيداً عن الشعارات- علی المستوی السياسي والعسكري والأمني، وأصبح القسام وغيره من فصائل المقاومة في غزة الخصم الوحيد للعدو الأكثر تطلباً وفرضت عليه هزيمة عمقها وأبعادها. وهو ما سيتضح للإسرائيليين بعد أن ينقشع غبار الحرب.