تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني؛ المقامرة الفاشلة للحكام التصالحيين

لقد تمت مناقشة تطبيع العلاقات بين الدول العربية في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك الشهر الماضي، وكما تظهر التجربة التاريخية، فإن التطبيع ليس في الواقع في مصلحة الدول العربية.
تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني؛ المقامرة الفاشلة للحكام التصالحيين
  1. في الشهر الماضي، أثيرت مرة أخری مسألة تطبيع علاقات الدول العربية، بما فيها السعودية، مع نظام احتلال القدس. والسؤال الأساسي هو ماذا حقق التطبيع للدول التي فعلته من قبل؟

ما هي الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قبل عام 2020؟

1. مصر

ورغم أن مسألة تطبيع العلاقات أثيرت في السنوات الأخيرة، إلا أن عصر التطبيع يعود إلی أواخر السبعينيات. أنور السادات، رئيس مصر، أصبح سائق قطار التطبيع في السبعينيات. وفي عام 1978، وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني. وتم توقيع اتفاقية تطبيع علاقات مصر مع النظام الصهيوني، المعروفة باسم "اتفاقية كامب ديفيد"، في 17 سبتمبر 1978. كما توسطت أمريكا في هذه الاتفاقية ولعب جيمي كارتر، رئيس أمريكا في ذلك الوقت، الدور الرئيسي. وكانت كامب ديفيد أول معاهدة سلام بين النظام الصهيوني ودولة عربية، وكانت مصر أول دولة عربية تعترف بالنظام الصهيوني.

2. الأردن

بعد مصر، كان الأردن الدولة العربية الثانية التي تقوم بتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني. وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وقع الأردن، كثاني دولة عربية، اتفاقية تطبيع العلاقات مع الصهاينة تحت عنوان اتفاقية "وادي عربة". وكان من بنود هذه الاتفاقية حل النزاعات الجغرافية ونقل 55 مليون متر مكعب من المياه سنويا إلی الأردن.

ومن الواضح أن التطبيع تجربة فاشلة

ويظهر تقييم نتائج تطبيع أربع دول عربية مع النظام الصهيوني حتی عام 2020، أنه لم يتم تأمين مصالح الدول العربية فحسب، بل أيضا أن النظام الصهيوني استغل التطبيع لمهاجمة هذه الدول. بعض نتائج التطبيع هي:

1. فكرة الوطن البديل

ويحاول النظام الصهيوني احتلال كامل جغرافية فلسطين. ورغم أن مصر والأردن وقعتا اتفاقية سلام مع هذا النظام، إلا أن تل أبيب اهتمت بجغرافية هذه الدول. وتركز خطة الوطن البديل للفلسطينيين علی جغرافية مصر والأردن. ولم يعارض الفلسطينيون فقط، بل الأردن ومصر أيضًا، هذه الخطة بشدة علی مستوی الشعب والسلطات، لكن النظام الصهيوني لا يزال يأمل في تنفيذ هذه الخطة وأن تتماشی إعادة توطين سكان شمال غزة أيضًا مع خطة السلام. خطة الوطن البديل

2. استغلال اتفاقية السلام للتجسس

ومن النتائج الأخری لاتفاقية السلام مع مصر والأردن أن النظام الصهيوني استخدم هذه الاتفاقيات للتجسس علی هذه الدول. ونفذ جواسيس تابعون للموساد العديد من قضايا التجسس في مصر منذ اليوم الأول لعلاقات تل أبيب مع القاهرة. ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض علی العديد من شبكات التجسس، أغلبها تابعة للنظام الصهيوني. وتشير بعض التقارير إلی أن بعض الصهاينة دخلوا مصر والأردن تحت ستار السياح، لكنهم عمليا كانوا جواسيس لهذا النظام. بمعنی آخر، لم تسفر اتفاقيات السلام عن مزيد من الأمن لهذه الدول، بل زادت من التحديات الأمنية لهذه الدول.

3. عدم التزام النظام الصهيوني ببعض البنود الأساسية في الاتفاقيات

والمسألة الأخری هي أن النظام الصهيوني لم يلتزم ببعض البنود الأساسية في اتفاقيات السلام مع مصر والأردن. علی سبيل المثال، كان أحد بنود اتفاقية كامب ديفيد هو أن يسحب النظام الصهيوني قواته من صحراء سيناء خلال ثلاث سنوات. إلا أن انسحاب الجيش الصهيوني توقف عمليا، وقام هذا النظام مرارا وتكرارا بمهاجمة صحراء سيناء لأسباب واهية. مثال آخر علی سوء النية وانتهاك اتفاقيات السلام من قبل النظام الصهيوني هو أنه بموجب اتفاقية وادي عربة يلتزم النظام الصهيوني بنقل 55 مليون متر مكعب من المياه إلی الأردن كل عام، ولكن كل عام عن طريق سرقة 20 مليون متر مكعب. ، 35 فقط ينقل مليون متر مكعب من المياه إلی هذا البلد. والمثال الآخر هو انتهاك احترام سيادة الأردن علی الأماكن المقدسة في فلسطين، الأمر الذي جعل الهيئة الحاكمة في هذا البلد تتعرض لضغوط شعبية لإلغاء اتفاقية وادي عربة في السنوات الأخيرة.

4. فوائد اقتصادية أحادية للكيان الصهيوني

والمسألة الأخری هي أن اتفاقيات السلام لم تحقق فوائد اقتصادية للدول العربية ووفرت معظم الأهداف الاقتصادية للكيان الصهيوني. لقد تمكن النظام الصهيوني من خلق أمن نسبي لنفسه من خلال اتفاقيات السلام وتعزيز خططه الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات لم تستفد فعليًا كثيرًا من الناحية الاقتصادية لأن الناس كانوا ضد هذه الاتفاقيات وكان النظام يعتقد أن هذه الدول يجب أن تظل ضعيفة.

5. تطبيع؛ أصبح سبب العنف أكثر إقليمية

مسألة أخری هي أن؛ ولم تؤد اتفاقيات السلام مع النظام الصهيوني إلی مزيد من السلام والاستقرار في منطقة غرب آسيا، بل جلبت المزيد من انعدام الأمن. تركت اتفاقيات السلام النظام الصهيوني مفتوحًا لمزيد من العنف ضد الفلسطينيين. وتشكل الانتفاضات والحروب العديدة التي حدثت خلال العقود الأربعة الماضية علامات ملموسة في هذا الصدد.

6. - إضعاف الدعم الشعبي للدول التي تقوم بتطبيع العلاقات

ومن النتائج المهمة لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني أن حكام الدول المُطبيعة شهدوا انخفاضًا في دعمهم الشعبي وشرعيتهم، لأن تطبيع العلاقات واجه معارضة واسعة النطاق ودائمة من الشعوب. إن هجوم الشعب علی السفارة الصهيونية في القاهرة عام 2011 وتدمير الجدران الخرسانية لهذه السفارة وهروب السفير وموظفي السفارة ليلاً، أمثلة واضحة علی معارضة الشعب الحازمة والمستمرة للتطبيع. وتسبب تطبيع العلاقات في حدوث فجوة بين الشعوب والحكومات في الدول الموقعة علی اتفاق صالح.

نتيجة

تطبيع العلاقات بين الدول العربية تمت مناقشته في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك الشهر الماضي، كما تظهر التجربة التاريخية، التطبيع ليس في مصلحة الدول العربية، والنظام الصهيوني لا يلتزم ببنود الاتفاقيات . السلام مع النظام الصهيوني هو أحد أسباب تراجع شرعية الحكام في الدول العربية وحتی سقوط الحكومة المصرية عام 2011. ومن الممكن تكرار تجربة مصر بالنسبة للدول التي قامت بتطبيع العلاقات مؤخراً أو تخطط للقيام بذلك. ومن هذا المنطلق، وصف المرشد الأعلی للثورة تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني بـ"المقامرة".

الكاتب: السيد رضي العمادي