الأبعاد المختلفة لدعم واشنطن لتل أبيب في حرب غزة

كانت أمريكا بمثابة الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني في حرب غزة المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر. ودعم واشنطن لتل أبيب يشمل أبعادا عسكرية وسياسية واقتصادية ودولية مختلفة.
الأبعاد المختلفة لدعم واشنطن لتل أبيب في حرب غزة

كانت الولايات المتحدة بمثابة الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني في حرب غزة المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر. ودعم واشنطن لتل أبيب يشمل أبعادا عسكرية وسياسية واقتصادية ودولية مختلفة. وفي الوقت نفسه، يُطرح السؤال دائماً عن الفوائد التي تتمتع بها واشنطن من هذا الدعم الشامل.

دعم الولايات المتحدة

الدعم الأميركي للكيان الصهيوني له أبعاد مختلفة. وفي الحرب الحالية في غزة، زاد هذا الدعم أيضًا. وفي المجال العسكري، يشمل الدعم الأميركي توفير مختلف أنواع القنابل الموجهة ذات القدرة علی اختراق ملاجئ عميقة جداً في قلب الأرض، وطائرات إف 16 وإف 22 وحتی طائرات إف 35 المقاتلة. بالإضافة إلی ذلك، نشرت الولايات المتحدة حاملات طائراتها علی ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​عدة مرات. وفي المجال الاقتصادي، تقدم واشنطن الكثير من المساعدات العسكرية لتحديث جيش النظام وبشكل منفصل لترقية نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، بل إنها تخصص بندًا خاصًا في الميزانية لهذه القضية.

ومن عام 2011 إلی عام 2022، ساهمت الولايات المتحدة بما مجموعه 2.6 مليار دولار لنظام القبة الحديدية الدفاعي. وتم نشر هذا النظام لأول مرة في آذار/مارس 2011 بأربع منصات إطلاق يحمل كل منها 20 صاروخا اعتراضيا بالقرب من بئر شبعا. ويتم تقديم المساعدات الأمريكية، التي تبلغ حوالي 3.3 مليار دولار، في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF)، الذي يجب علی النظام الصهيوني استخدامه لشراء المعدات والخدمات العسكرية الأمريكية. كما يُسمح للنظام الصهيوني تاريخيًا باستخدام جزء من هذه المساعدات لشراء معدات من الشركات العسكرية الإسرائيلية. ولا يتم منح هذه الميزة للمستفيدين الآخرين من المساعدات العسكرية الأمريكية.

وتشير التقارير إلی أن المساعدات الأمريكية تشكل نحو 15% من ميزانية الحرب الإسرائيلية. بالإضافة إلی ذلك، يتم تخصيص 500 مليون دولار سنويًا للبرامج الصاروخية المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، والتي يتعاون فيها الجانبان في بحث وتطوير وإنتاج هذه الأنظمة التي تستخدمها تل أبيب، بما في ذلك القبة الحديدية وسلسلة داود.

ورايثيون هي الشركة العسكرية الأمريكية التي تصنع صواريخ تامير الاعتراضية في ولاية أريزونا لأنظمة القبة الحديدية التابعة للنظام. والنقطة المهمة في تقديم المساعدات العسكرية الأميركية للنظام في حرب غزة هي استخدام الرئيس لصلاحيات خاصة. وفي الواقع، فإن نقل المعدات العسكرية الأمريكية إلی الأراضي المحتلة يخضع لقوانين الولايات المتحدة ذات الصلة. قبل بيع أنظمة أو خدمات أسلحة أمريكية مهمة لقوی أجنبية، يجب علی الرئيس عادةً إخطار الكونجرس ومنح المشرعين الوقت لمراجعة عملية البيع. في بعض الحالات، إذا قرر الرئيس أن هناك حالة طوارئ تتعلق بالأمن القومي، فيمكنه تجاوز مراجعة الكونجرس. وقد استخدم جو بايدن عملية الإعفاء السريع هذه للكيان الصهيوني.

وأخيراً، في المجال السياسي، تتواصل المساعدات الأمريكية لنظام الاحتلال علی مستوی المنظمات والمؤسسات الدولية. وعلی هذا المستوی، تعتبر تل أبيب أولاً أهم حليف استراتيجي لأميركا، وهذا يكفي لتزويد واشنطن لهذا النظام بالدعم السياسي الدولي بالإضافة إلی الدعم الاقتصادي العسكري. وفي هذا الصدد، وخاصة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، استخدمت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً حق النقض (الفيتو) ضد القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار ووقف الحرب في مجلس الأمن الدولي.

واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار الصادر في 18 أكتوبر والذي يدعو إلی وقف إنساني للحرب. كما استخدمت هذه الدولة حق النقض (الفيتو) ضد قرار وقف إطلاق النار الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول. منذ عام 1945، استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضد ما مجموعه 89 قرارًا في مجلس الأمن، 45 منها كانت تتعلق بالكيان الصهيوني حتی 18 ديسمبر 2023. وفي الواقع، تم استخدام أكثر من نصف حق النقض الذي استخدمته واشنطن علی قرارات تنتقد النظام الصهيوني. ومن ناحية أخری، كثيراً ما تقدم أمريكا مشاريع في مجلس الأمن لا تتوافق مع وقف إطلاق النار. علی سبيل المثال، في المسودة المقدمة إلی مجلس الأمن في 25 أكتوبر/تشرين الأول، طالبت الولايات المتحدة بالإفراج الفوري عن السجناء الصهاينة لدی حماس، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلی غزة. وقد اعترضت روسيا والصين علی هذا المشروع لأنه لم يذكر وقف إطلاق النار.

المصالح الأمريكية في دعم نظام الاحتلال

لقد قدم الدعم الشامل الذي تقدمه الولايات المتحدة للنظام الصهيوني فوائد خاصة لهذا البلد، وهو أمر فعال من حيث التكلفة في السياسة الخارجية لهذا البلد.

دعم اللوبي الصهيوني الشامل لواشنطن

تعد جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا، بما في ذلك لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، أحد الأمثلة الفريدة لقوة الضغط والضغط في السياسة الداخلية والخارجية. إن دعم هذا اللوبي ودوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه في وصول مختلف الأفراد والجماعات والأحزاب إلی السلطة في الولايات المتحدة، يسلط الضوء إلی حد كبير علی مصالح الحكومات المختلفة في العصور المختلفة في دعم النظام. وفي الواقع فإن السبب الرئيسي لاتجاه السياسة الأمريكية تجاه النظام هو الدور الذي تلعبه هذه الدولة لأمريكا في مجال السياسة الداخلية والخارجية.

وتعد تل أبيب أيضًا الشركة الرائدة عالميًا في إنتاج وتطوير المركبات الجوية بدون طيار، والتي تتيح المراقبة الدقيقة دون مخاطر. ومن خلال الاعتماد علی هذه القدرات العسكرية والاقتصادية، يستطيع اللوبي الصهيوني أن يدعم بشكل شامل مصالح الولايات المتحدة، وفي المقابل يحصل علی الدعم المتبادل من الولايات المتحدة في المنتديات العامة مثل الأمم المتحدة. وقد أظهرت هذه القضية نفسها أكثر من أي شيء آخر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. وتظهر نتائج الاستطلاعات تقدم ترامب في المنافسة علی بايدن في ولايات رئيسية. وبناء علی ذلك، يبدو أن بايدن يحاول إدارة مشهد الحرب من أجل الحصول علی دعم لوبي أيباك في هذه الانتخابات. ويتمتع هذا اللوبي بعلاقات وثيقة مع كلا الحزبين الأميركيين ويقوم بجمع الأموال للمرشحين الذين يدعمهم منذ عام 2021.

أرباح شركات الأسلحة الأمريكية حسب الظروف الأمنية في غرب آسيا

لطالما حققت شركات تصنيع الأسلحة في أمريكا أرباحاً ضخمة بسبب الأوضاع الأمنية في منطقة غرب آسيا، ويمكن اعتبار أحد أكبر أسباب أمن المنطقة وجود النظام الصهيوني ودعاته للحرب. ولذلك فإن هناك علاقة مباشرة بين الأرباح الوفيرة لهذه الشركات ووجود النظام في غرب آسيا، وكلما كانت الأجواء آمنة في المنطقة، كلما زادت أرباح هذه الشركات. ولأن بعض الدول العربية تشعر دائما بالتهديد من نظام الاحتلال ولحلها تقوم بشراء أسلحة حديثة من أمريكا. علی سبيل المثال، مع موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي علی بيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلی المملكة العربية السعودية في عام 1978، حاولت وزارة الدفاع الأمريكية بيع أواكس (نظام التحكم والإنذار الجوي) إلی الرياض. لأنها كانت مربحة للغاية، واعتبر البيت الأبيض أن النظام الصهيوني والتهديدات المحتملة لهذا النظام علی العرب هي سبب توليد هذه الإيرادات. ورافقت حرب غزة نتائج إيجابية للشركات الأمريكية، أهمها ارتفاع قيمة أسهمها. وفي الشهرين الأولين فقط من هذه الحرب، ارتفعت أسهم شركة لوكهيد مارتن، الشركة المصنعة لطائرات إف-15 وإف-35، بأكثر من ثمانية بالمائة. كما ارتفعت أسهم شركة رايتون، وهي كما ذكرنا الشركة المصنعة لصواريخ تامير لنظام القبة الحديدية، بنحو 5% خلال هذه الفترة.

الحفاظ علی اليد العليا ضد روسيا

العلاقات بين النظام الصهيوني وروسيا، التي كانت دافئة للغاية حتی السنوات السابقة، تحولت إلی البرودة عشية حرب غزة. وطالبت تل أبيب موسكو بدعم شامل لهذا النظام ضد حماس، وهو ما لم تأخذه روسيا بعين الاعتبار. ولهذا السبب، وبسبب الصراع في الحرب مع أوكرانيا، لم تكتف روسيا بعدم دعم النظام الصهيوني، بل استخدمت أيضًا حق النقض (الفيتو) ضد القرارات الداعمة للنظام في مجلس الأمن. كما اتخذ النظام الصهيوني إجراءات مضادة. علی سبيل المثال، فرضت البنوك الإسرائيلية، في نوفمبر/تشرين الثاني، قيوداً علی حسابات المواطنين الروس بناءً علی توجيهات الاتحاد الأوروبي. هذا، بالإضافة إلی الدعم المالي المباشر الذي تقدمه الولايات المتحدة للنظام في حرب غزة، والذي سبق ذكره، جعل قادة تل أبيب يعتبرون الهيئة الحاكمة في الولايات المتحدة، وخاصة بايدن، الداعم الرئيسي لهم. ومن خلال هذا الدعم من الحكومتين الأميركية والأوروبية، يسعی قادة النظام إلی تجنب الخلافات مع الغرب، وهذا الدعم، استمراراً للدور الفعال للوبي الصهيوني، يضع أميركا في مكانة أعلی مقارنة بروسيا.

نتيجة

إن دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني خلال حرب غزة، المستمرة في مختلف القطاعات بما في ذلك العسكرية والسياسية والاقتصادية والدولية، يجلب أيضًا فوائد كبيرة لهذا البلد. وتتجلی هذه المصالح بوضوح في القطاعين المحلي والأجنبي للمجتمع الأمريكي. وأهم هذه المصالح هو دعم اللوبيات الصهيونية لسلطة القادة السياسيين. وفي الواقع، فإن القادة الأميركيين الذين يسعون إلی المزيد من السلطة مطالبون بالنظر إلی مصالح هذه اللوبيات كعنصر مؤثر في السياسة الأميركية في دعم النظام. ومن ناحية أخری، فإن الترويج للحرب من قبل النظام وقادته يتسبب في تدفق المزيد من الأسلحة من الدول الغربية إلی منطقة غرب آسيا. وعلی المستوی الخارجي، تحاول الولايات المتحدة أن تكون لها اليد العليا في خيار دعم النظام من خلال استغلال تورط روسيا في الحرب الأوكرانية والتوتر بين تل أبيب وموسكو.