تعايشٌ كاذب تسوّق له علی الدوام في وسائل إعلامها، وتوعز الی أبواقها في الصحف والمنابر والصفحات بالحديث عنه لإقناع الخارج بهذه الخدعة.
تنفرج أسارير الملك حمد بن عيسی آل خليفة عندما يسمع بتعدّد الطوائف أو ربّما بزوار مسيحيين أو يهود قادمين إليه، لكنّ المسألة تختلف وربّما تنقلب عندما يتعلّق الأمر بنشاط خاص بالمسلمين الشيعة الذين يُشكّلون جزءًا أساسيًا من تركيبة البلد، وهم من السكان الأصيلين في المملكة.
عندما يتعلّق التعايش بهذه الفئة، كلّ شيء يتبدّل. فيُمسي التعايش مستحيلًا مع مسلمين يعتنقون فلسطين كقضية مركزية قومية، ولهم عقيدتهم الإيمانية الراسخة في نبْذ الظلم ونصرة المظلوم وعدم مصافحة العدو والاعتراف به.
الحصار الذي يتعرّض له اليوم التيار العلمائي الديني في البحرين ومن يؤيّده من أبناء الشعب يندرج في سياق رفض التعايش مع الآخر. لهذا نفهم كيف أن الدولة تسعی بكلّ أجهزتها الأمنية الی ملاحقة ومحاصرة المُصلّين يوم الجمعة من كلّ أسبوع لثنْيهم ومنْعهم عن الصلاة والتجمّع في جامع الإمام الصادق (ع).
تُصرّ الدولة علی رفض إقامة الصلاة وسماع أيّ خطبة جُمعة في الدراز، حيث الموقف المركزي للتيار العلمائي ومن لفّ لفيفهم، وتفرض التدخل في شكل الخطبة حتی لا تتجاوز المعاني الدينية المفرّغة من أيّ توجّه سياسي وطني أو قومي، أي حتی يُمنع ذكر اسم فلسطين في المسجد، علّها بهذه الطريقة تتنزعها من عقول المُصلّين ومن يرتادون الجامع أسبوعيًا أو يُنصتون من خارج حدوده الی موقفه الأسبوعي.
من هنا نفهم لماذا تجاوزت الحركة الاحتجاجية الرافضة لهذا المنع حدود كبار العلماء، لتشمل أكثر من 300 عالم ديني شيعي خرجوا عن صمتهم وعبّروا صراحةً عن رأيهم إزاء ما يتعرّض له أئمة الجامع. هؤلاء أكدوا أن صلاة الجمعة شعيرة مقدّسة لا نقاش فيها، وأنها من المحطات الأساسية للبناء والتحصين الفكري والعقائدي والروحي والمجتمعي.
وعليه، مع استمرار الاضطهاد المذهبي والطائفي في البحرين لا يمكن رفع شعار التعايش بين الأديان من قبل الدولة. إمّا أن يُطبّق الشعار حرفيًا مع جميع الطوائف، وإمّا أن يُلغی من خطابات وبيانات الملك والوزراء ومن في السلطة. لكنها البحرين، حيث يجتمع النقيضان التضييق علی الشيعة والانفتاح علی المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين ولاحقًا المُلحدين.