بعد أسبوع من تصاعد التوتر علی الجبهة الشمالية سلاح الجو الصهيوني بـ"الضوء الأخضر" الأميركي بحجة إبعاد المقاومة اللبنانية عن "الحدود الزرقاء" وتدمير البنية التحتية لحزب الله، نفذت واحدة من أوسع العمليات التي بدأت في الأشهر الـ 11 الماضية ضد جنوب لبنان تحت اسم "سهم الشمال". وفي الموجة الأولی من العدوان الإسرائيلي، استشهد ما يقرب من 500 شخص وأصيب 1645 مواطنا لبنانيا. وتشير بعض المصادر إلی وجود ما لا يقل عن 35 طفلاً بين الشهداء. ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه استهدف ما لا يقل عن 1100 نقطة مقاومة في الأيام القليلة الماضية. وفي الفترة من 17 إلی 22 أيلول استشهد مجموعة من قادة وقيادات المقاومة اللبنانية مثل إبراهيم عقيل ومجموعة من قادة وحدة الرضوان.
حزب الله يهاجم أهدافاً استراتيجية في حيفا
رداً علی العدوان الصريح للنظام الصهيوني، استهدف حزب الله اللبناني مجموعة من الأهداف المشروعة في الأراضي المحتلة. مقاومة لبنان بمئات الصواريخ؛ وعلی وجه الخصوص، استهدفت صواريخ فادي 1 وفادي 2 مناطق استراتيجية مثل رمات دافيد، ومجمع رافائيل العسكري، ومطار مجدو العسكري، وقاعدة عاموس العسكرية ، ومصنع زخرون للذخيرة ، وحيفا وعكا المحتلة ، وحتی وسط فلسطين المحتلة، أي مطار بن غوريون . أعطی
ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد القتلی والجرحی في صفوف النظام الصهيوني؛ لكن "نجمة داود الحمراء" أكدت مقتل وجرح عدد من الصهاينة دون ذكر تفاصيل. وعلمت بعض المصادر المطلعة أنه إذا لم يتم إيقاف نطاق عدوان النظام الصهيوني، فإن المقاومة الإسلامية في لبنان ستضيف مراكز استراتيجية ومستوطنات إسرائيلية مكتظة بالسكان إلی ضفة أهدافها من خلال الاعتماد علی صواريخها الجديدة.
حزب الله وإمكانية استعادة السلطة
بعد حرب الـ 33 يوماً في لبنان، اعتقد عدد قليل من المحللين أن حزب الله سيعود بطريقة يتمكن في السنوات المقبلة من القضاء علی فتنة الإرهاب السلفي التكفيري في سوريا وتحدي أمن شمال البلاد المحتلة. الأراضي كعنصر فاعل. ومقاومة لبنان هي نتيجة الحروب الأهلية وسنوات الاحتلال من قبل أميركا وفرنسا والكيان الصهيوني في "عروس الشرق الأوسط".
ذات يوم، ظن الصهاينة أنهم باغتيال الشهيدين عباس موسوي وعماد مغنية سيتمكنون من شل حركة حزب الله وإخراج هذه الجماعة من دائرة المقاومة. لكن الواقع الميداني يشير إلی أنه في كل مرة استهدف فيها الصهاينة قيادات وكبار قادة المقاومة اللبنانية، نهض حزب الله من رماد الحرب " مثل العنقاء " وهدد حياة الصهاينة بشكل أقوی من ذي قبل. إن تهجير عشرات الآلاف من الصهاينة في العام الماضي يشكل وثيقة قوية فيما يتعلق بتعزيز القوة القتالية لحزب الله في السنوات الأخيرة.
ثقافة "الاستشهاد" تضمن انتصار المقاومة
ويمكن اعتبار العنصر الأكثر أهمية في تكوين حزب الله اللبناني هو اعتماد هذه المجموعة علی خصائص "المرونة"، و"القوة الحركية"، و"التعافي السريع للقوات المقاتلة وهيئة القيادة"، وأخيراً "التركيز علی الحرب غير المتكافئة". إن حرية المقاومة من الحكومة والوحدات السياسية المعتادة تمنح حزب الله إمكانية التعويض بسرعة عن الأضرار ووضع خطط دفاعية هجومية جديدة وفقاً لأحدث الظروف السائدة في ساحة المعركة.
تفوق العدو الصهيوني في المجالات الاستخباراتية أو القتالية الجوية أدی إلی زيادة الأضرار في الجبهة اللبنانية، لكن الواقع أن النظام يعاني من نقاط ضعف كثيرة. فمثلاً يتم توفير الاحتياجات الكبری للعدو الصهيوني عبر الموانئ الغربية في فلسطين المحتلة. ومع استمرار هطول الصواريخ علی ميناء حيفا وإزالة هذه النقطة الاستراتيجية من الدائرة الخدمية، فإن صمود الرأي العام للكيان الصهيوني والمصداقية الدولية لإسرائيل ستنخفض بشكل كبير. نقطة ضعف أخری للنظام هي حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، والتي يمكن أن تكون جزءًا من الأهداف التي حددتها المقاومة اللبنانية.
ضربة لا يمكن إصلاحها للكيان الصهيوني
وكان أحد أهم إنجازات حزب الله في الحرب الأخيرة هو توجيه ضربة لقوة "الردع" للكيان الصهيوني. في السابق، أدی أصغر عمل عسكري ضد العدو المحتل إلی بدء حرب شاملة في لبنان، ولكن هذه المرة أدی وصول المثقفين في حزب الله إلی تدهور الحياة الطبيعية لأكثر من 200 ألف مستوطن صهيوني في شمال الأراضي المحتلة. معطلة منذ ما يقرب من العام، وخروج العديد من الشركات عمليا عن دائرة النشاط أو الربح. علی سبيل المثال، أعلن البنك المركزي الإسرائيلي أن التكلفة التي يتكبدها اقتصاد شمال فلسطين المحتلة تبلغ 156 مليون دولار أسبوعيا. إضافة إلی ذلك، اضطر المجلس الأمني التابع للنظام إلی إغلاق العديد من صهاريج الوقود والمصانع في هذه المنطقة، وإبقاء المراكز الطبية في حالة تأهب طويل الأمد خوفاً من هجمات المقاومة.
ا
لعدوان الغاشم للصهاينة علی جنوب لبنان
إن بدء الحرب الثالثة مع لبنان سيشكل تحديا لقدرة الاقتصاد الصهيوني علی الصمود، إضافة إلی جعل فلسطين المحتلة برمتها أقل أمنا . وفي تقرير الشهر الماضي، قام المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن الداخلي (INSS) التابع لجامعة تل أبيب بتقييم السيناريوهات التي تواجه الاقتصاد الصهيوني في حال نشوب حرب مع لبنان. ويری كاتب هذا المقال أنه إذا تحولت التوترات اليومية بين حزب الله والكيان الصهيوني إلی حرب واسعة النطاق، فإن احتمال أن يكون نطاقها وزمنها محدودا مرتفعا للغاية.
ويعتمد تقييم المؤشرات الاقتصادية لإسرائيل في حال حدوث هذا السيناريو علی عوامل مثل الصمود الداخلي وصد هجمات المقاومة. وفي أسوأ السيناريوهات المحتملة لتصعيد التوتر علی الجبهة الشمالية، سينخفض ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في عام 2024. وفي أفضل السيناريوهات، إذا تمكنت تل أبيب من صد معظم هجمات المقاومة اللبنانية في حرب محدودة، فإن 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل سينخفض في نفس الفترة. وسيرتفع عجز الموازنة إلی 15% وستتراوح نسبة الدين إلی الناتج المحلي الإجمالي بين 80-85%. وتظهر الأرقام المذكورة أعلاه التكلفة الباهظة للحرب مع لبنان بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي وارتفاع مستوی المخاطرة التي يقوم بها نتنياهو لإيصال الأراضي المحتلة إلی حافة الأزمة المالية.
فائدة الكلام
منذ الساعات الأولی لحرب عاصفة الأقصی، قررت مقاومة لبنان الإسلامية الدخول في صراع مع نظام احتلال القدس انطلاقاً من استراتيجية "وحدة الميادين" ومراعاة المصالح الوطنية للبنان. ومنذ عام تقريبا، أطلقت المقاومة اللبنانية أكثر من 8000 صاروخ باتجاه شمال الأراضي المحتلة بعمق يصل إلی 20 كيلومترا. من أجل الحفاظ علی مقعده، وفي الوقت نفسه، استعادة المصداقية المفقودة في فلسطين المحتلة، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي شن هجوم واسع النطاق علی حزب الله اللبناني وإبعاد جماعة المقاومة هذه عن الشريط الحدودي.
في غضون ذلك، أعلن "سيد المقاومة" أن الشرط الوحيد لوقف التوتر في الجبهة الشمالية هو إعلان وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة. والآن علينا أن ننتظر ونری أي من الأطراف المتصارعة يستطيع أن يملي رغباته علی الطرف الآخر ويغير نتيجة الحرب في "حرب الإرادات". لقد أثبتت تجربة حرب الـ 33 يوماً في حرب 2006 أن مستوی صمود المقاومة اللبنانية يفوق الخيال وأن نتنياهو لا يستطيع سحق إرادة المقاومة اللبنانية بالوسائل العسكرية.