كما ينبغي تسمية عام 2024 بعام المفاجآت الكبری للمقاومة، لأنه بعد تسعة أشهر فقط من عملية عاصفة الأقصی التاريخية في غزة، اضطرت أمريكا إلی سحب أحد أهم أسلحتها الاستراتيجية من المنطقة. لكن ما سبب أهمية هذا الحدث من حيث القيمة الرمزية والنفسية للحرب؟ نناقش في هذا التقرير مسألة ما هي التوازنات الجديدة التي رسمها الانكسار المستمر للهيمنة الدفاعية الأمريكية ضد قوی المقاومة في المنطقة، ولماذا تستطيع قوة عسكرية ذات منشآت قليلة هزيمة أحد أعظم مظاهر ورموز الهيمنة الأمريكية؟ تكنولوجيا القتال بطيئة
بعد ساعات قليلة من أنباء هجوم المقاتلات اليمنية علی عملاق البحرية الأمريكية حاملة الطائرات الأمريكية. وحاول أيزنهاور، وهو مسؤول في البنتاغون طلب عدم ذكر اسمه، نفي الهجوم. لكن اليمنيين أعلنوا أيضاً تفاصيل الخبر وكان علی خبراء البنتاغون أن يفكروا بطريقة أخری للتغطية علی المشهد ويقولون: وفقاً لقرار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن فإن مهمة هذه السفينة الحربية في البحر الأحمر كانت تم إنهاؤه.
وسبق أن أعلنت وسائل إعلام ومراكز بحث أميركية أنه علی الرغم من دعم الغرب للكيان الصهيوني، إلا أن الحالة الهشة لهذا النظام لا تزال واضحة ويجب أن تبقی السفينة الأميركية الشهيرة في المنطقة. لكن بعد الهجوم اليمني الجديد، أعلن أوستن أنه من الضروري أن ينسحب أيزنهاور، ومن المحتمل أن يتم إرسال سفينة تيودور روزفلت إلی المنطقة.
ما أهمية رحيل أيزنهاور؟
يو إس إس دوايت دي أيزنهاور (USS Dwight D. Eisenhower) هي واحدة من 10 سفن كبيرة في مجموعة فئة نيميتز، والتي تُعرف بأنها أهم أذرع البحرية الأمريكية. تمتلك حاملة الطائرات هذه مفاعلًا نوويًا وتتطلب مهامها الإستراتيجية ترتيبات أمنية معقدة. تم إطلاق هذه السفينة رسميًا في 18 أكتوبر 1977، ولطالما اعتبرت أحد أهم مصادر القوة البحرية الأمريكية. وهذه السفينة الكبيرة أو 333 مترا، ووزنها 114 ألف طن، مجهزة بأقوی نظام رادار ومساعدات ملاحية ورادارات مساعدات الهبوط، ويبلغ إجمالي قوة طاقمها ومشاة البحرية 5680 شخصا. آيزنهاور ليس مجهزًا لمراقبة هجمات الغواصات فحسب، بل يمتلك أيضًا النسخة البحرية والبرية من صاروخ جو-جو سي سبارو، كما أن معداته الدفاعية الإلكترونية فريدة من نوعها، ويمكن لأكثر من مائة طائرة مقاتلة ومروحية استخدام هذا الصاروخ الضخم. العمالقة يرتفعون في الهواء.
بعد عملية حماس التاريخية، التي فرضت هزيمة تاريخية غير مسبوقة علی النظام الصهيوني، جاء أيزنهاور إلی المنطقة ليوفر، علی سبيل المثال، أمن عبور الطاقة، لكن الهدف الرئيسي كان الحصول علی المجال الجوي للنظام الصهيوني والتصرف كقوة عسكرية إسرائيلية. قاعدة جوية عائمة، حيث أنه عند الضرورة، ستنطلق المقاتلات من هذه السفينة وتنفذ مهمتها في فترة زمنية قصيرة. في الوضع الحالي، حاملة الطائرات الأمريكية سيغادر آيزنهاور البحر الأحمر بينما لم تكن الولايات المتحدة تتوقع أن تكون في معضلة استراتيجية مع استمرار الهجمات علی اليمن.
أحد أهم الأسباب التي جعلت من هروب أيزنهاور نقطة تحول في الدفاع هو أن حزب الله اللبناني استهدف النظام الصهيوني بطريقة وصلت مخاوف حكومة نتنياهو إلی أعلی مستوی. لكن في هذا الوضع الصعب، لا يستطيع أيزنهاور أن يكون مزود الأمن للجيش تحت قيادة نتنياهو فحسب، بل يغادر المنطقة أيضًا، بحيث إذا قام حزب الله اللبناني في يوم من الأيام، مثل المقاتلين اليمنيين، بإلقاء صاروخ علی هذه السفينة، فإن الظروف جو بايدن مما هم عليه، لا تجعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيدًا.
وفي وقت سابق، أثناء انسحاب أميركا من أفغانستان، جاءت حاملة طائرات أميركية إلی المنطقة من المحيط الهادئ، والآن أصبح كل من نتنياهو وبايدن في وضع لا يملكان فيه سبيلاً للرجوع ذهاباً وإياباً في دائرة الفشل الذريع التي تعاني منها الولايات المتحدة. - اقتحام الأقصی المفروض عليهم.
ما أهمية البحر الأحمر بالنسبة لأمريكا؟
باعتباره مركزًا لخطوط الشحن، يلعب البحر الأحمر دورًا حيويًا في التجارة العالمية. وتربط هذه النقطة الاستراتيجية البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي وبحر العرب. ولقناة السويس، التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، أهمية خاصة لنقل النفط والبضائع والأصول العسكرية.
سبب آخر لأهمية البحر الأحمر بالنسبة للولايات المتحدة هو أن له موقعا جيوسياسيا خاصا، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل التدخل في هذه المنطقة لضمان أمن المملكة العربية السعودية والنظام الصهيوني ومصر، فضلا عن للسيطرة علی تحركات المقاتلين اليمنيين.
ولطالما ادعی مركز قيادة القوات الأمريكية في المنطقة أنه بدون وجود أيزنهاور، فإنه من المستحيل تأمين طريق البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب. وفي هذه الأثناء، يواجه العالم الآن وضعاً جديداً، ويمكن للجميع أن يروا بوضوح أن الولايات المتحدة غير قادرة حتی علی تأمين قواعدها في المنطقة.
وفي الوضع الحالي وبعد 9 أشهر من الضربة التاريخية التي وجهتها حماس للكيان الصهيوني، فإن الإصرار علی استمرار سياسة الحرب والتدخل لم يحقق شيئا لحكومة نتنياهو، والولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الأهم لهذا النظام، هي عملياً، في مأزق استراتيجي ولا بد منه، بسبب ارتباط اللوبي اليهودي بالمعادلات السياسية والانتخابية، ولا يستطيع بسهولة الضغط علی نتنياهو.