منذ الثالث من نوفمبر الجاري بدأت وزارة الداخلية وبشكل مفاجئ، عدداً من الإجراءات الاحترازية، بعد الزيارة التي قام بها وزير الداخلية عبدالله بن راشد لمقر الدفاع المدني، حيث اطلع علی استعداداتها لمواجهة أي حدث طارئ.
وخلال هذه الزيارة أعلن وزير الداخلية عن فتح باب التطوع للمواطنين في صفوف الدفاع المدني، تبعتها إجراءات وإعلانات أخری مثل إطلاق المنصة الوطنية للحماية المدنية (التي تقدم إرشادات عامة للسكّان باتباع جملة من الإجراءات للاستعداد للطوارئ)، والدعوات المكثفة من وزارة الداخلية لعموم السكان بضرورة تفعيل الإشعارات في تطبيقات "مجتمع واعي، تواصل وتطبيق المرور"، فيما يبدو استعداداً لاستقبال إشعارات خاصة بالطوارئ، بالإضافة للإعلان عن المدارس الخاصة بالإيواء والأماكن المخصصة كملاجئ في حالات الطوارئ والحروب.
للوهلة الأولی بدت هذه الإجراءات احترازية محضة (وإن مبالغ فيها بعض الشيء)، وكان يمكن وضعها في سياق الحرب الوحشية الهمجية التي يشنّها الكيان الصهيوني علی غزة، والمجازر المرتكبة التي تهدد باتساع رقعة المواجهات وإمكانية تحوّل هذه الحرب إلی مواجهة إقليمية تشارك فيها أطراف عدّة، وهي إجراءات منطقية، اتخذتها دول أخری في المنطقة بينها قطر، لكن البحرين لم تكتفِ بهذه الإجراءات فقط.
تبعت إجراءات الداخلية خطوات اتخذتها قوة دفاع البحرين، بعضها تمت أمام أعين الناس والأخری في مقرات الجيش فقد أقدمت قوة دفاع البحرين علی حجز معظم منتسبيها، أبرزهم الطيارون العسكريون، وصرنا نشاهد قطعاً عسكرية تابعة لقوة الدفاع منتشرة في شوارع البحرين، فيما الطائرات المروحية باتت تحلّق بكثافة في سماء المنامة وضواحيها.
كل هذه الإجراءات وغيرها فتحت الباب واسعاً أمام التحليل والتأويل حول حقيقة ما يحصل، وصار الناس يتوقعون أسوأ الاحتمالات جراء هذه الإجراءات الكثيفة خلال فترة وجيزة جداً.
الأكيد أن البحرين لا قلق لديها من الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو أي طرف غربي يمتلك الكم الهائل من العتاد، فهي مقر الأسطول الأمريكي الخامس، ولديها قواعد أمريكية وبريطانية، كما وأنها ذهبت إلی تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قبل ثلاث سنوات، فهل يمكن لها أن تقلق من المحور المقابل الذي يحارب إسرائيل؟
إذا كانت البحرين تخشی مواجهة ضربة عسكرية جراء تطبيعها مع الكيان فذلك يعني أن الإمارات ينبغي عليها القيام بإجراءات مماثلة (وربما مصر والأردن أيضاً)، لكن الواقع أن أبوظبي أو القاهر أو عمّان لم تقم بأي إجراءات شبيهة.
وإن كانت استضافة البحرين للأسطول الخامس هو سبب خشيتها، فلدی قطر قاعدة العديد، وهي تعتبر واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في العالم، كما أن قواعد الولايات المتحدة منتشرة في معظم دول الخليج وبكثافة، لكن الدول التي تستضيف هذه القواعد لم تقم باتخاذ إجراءات مماثلة.
إذا مم تخشی البحرين؟
الواقع المر الذي نوقش مراراً، يقول إن البحرين لم تعد تملك أي سيادة علی أراضيها، وما كانت تخشاه المعارضة بشكل خاص من أن تكون البحرين ساحة لعمليات عدائية ضد دول الجوار يبدو أنه بات أكبر من فرضية، ويبدو أن الأسرة الحاكمة التي لم تعد لديها أي سلطة علی أراضيها، باتت تخشی قيام الولايات المتحدة أو الكيان بأعمال عدائية ضد المحور المناوئ.
كلنا نتمنی أن تكون هذه الإجراءات احترازية فقط، لكن الملك حمد اليوم مطالب قبل غيره من المسؤولين والشخصيات النافذة في الأسرة الحاكمة، باتخاذ القرار الجريء بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإيصال رسالة واضحة للولايات المتحدة علی أن البحرين غير مستعدة أن تتحول إلی مقر لعمليات عدائية تجاه الدول المجاورة، حفظاً لدماء وأرواح قاطني هذه الجزيرة الصغيرة.
حفظ الله البحرين من كل مكروه.
المصدر: مرآة البحرين