عائلة الحكم في البحرين وكراهية القضية الفلسطينيّة

يُصاحب النحسُ عائلةَ الحكمِ في البحرين، فأينما تُولي وجهَها تستقبلُ الخسائر.
عائلة الحكم في البحرين وكراهية القضية الفلسطينيّة
يقدمُ مشروع التطبيع حالةً نموذجية علی صدقِ هذه القاعدة، فقد كانت توقعات عائلة الحكم من هذا المشروع عالية جداً، فوضعت عائلةُ الحكم كلَ بيضِها في سلةِ الاستخبارات الإسرائيلية، وظنت العائلة أن تمتيّن علاقاتها مع إسرائيل سوف يُحّسنُ من وضعِها الداخلي والإقليمي، وأنّ بإمكان عائلة الحكم من خلال التطبيع أن تقدم تجربة نجاح في المنطقة. الآن وبعد أن غرقت الأنظمةُ المطبعة بطوفانِ الأقصی، بدأت آثارُ النحسِ تظهرُ بصورةٍ جلية علی عائلة الحكم في البحرين، فهي تعيشُ حالةً من العزلة الداخلية، وتعيشُ كراهيةَ الشعوب العربية لها. لا توجدُ لدينا كُلفة واضحةٌ لمشروع التطبيع، وكم استهلكَ التسويقُ الفاشل لذاك المشروع من موازنة الدولة، لكنّنا نحيط درايةً بأن "مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي" قد خصصَ كل جهوده لتسويق فكرة مشروع التطبيع، بموازنة أوليّة قدرها (931,000 دينار) سنوياً، أي بما يُعادل ( 4655,000 دينار) منذ تأسيسِه في 2018 وحتی الآن.
وقد سبق تدشين المركز إرسال حمد بن عيسی أوّل وفدٍ غير رسمي إلی تل أبيب في يناير 2018 ترأسته (بيتسي ماثيسون) التي كشفت لصحيفة اسرائيل تايمز " إن الوفد جاء إلی اسرائيل بفضل دعوة من الحاخام "مارفين هير والحاخام ابراهام كوبر" من مركز “سيمون فيزنتال” في لوس انجلوس خلال اجتماع مع الملك حمد بن عيسی آل خليفة في البحرين العام الماضي" وأنهم يمثلون ملك البحرين في هذه الزيّارة" بعيداً عن ذلك كله، من الجيد النظر إلی موضعِ الأنظمةِ المطبِعة علی أنّها أشياءٌ فائضةٌ علی النصابِ السياسي، بمعنی أنّهم يُمثلون فائض القيمة السياسية المطلوبةُ في رسمِ المعادلات علی الأرض، لا تتَوصل الی إقامة تواصلٍ حقيقي. فعائلة الحكم في البحرين كنموذج لنظام مُطّبع، تُمثل في النتيجة النهائية صفراً بالنسبة لمشغلي النظام الإقليمي الاستعماري، وتُمثل صفراً بالنسبة إلی مناهضي النظام الاستعماري. فمن ناحية اقتصادية فلا يتجاوز التبادل التجاري مع الكيان المؤقت 20 مليون دولا فقط، حيث تصدر البحرين إلی تل أبيب الألمونيوم واللؤلؤ والمعادن الثمينة بالدرجة الأساس. ومن ناحية سياسية لا تمتلك عائلةُ الحكم في البحرين موقفاً سياسياً منفرداً، يميزها عن مواقفِ الإمارات أو السعودية مثلاً. المثير للانتباه هنا أن معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي في احدی منشوراته يصفُ السلامَ مع البحرين بأنه سلامٌ منسيّ، وأن العلاقات بين كلا البلدين، رغم اتفاق ابراهام تسيرُ في طريقٍ مسدود، بسببِ المعارضة الداخلية القوية للتطبيع، وبسبب العدوانية الشرسة التي تمارسها إسرائيل اتجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يُفقد شعارات اتفاقيات السلام صدقها ومضمونها. يقودنا هذا الوضع إلی التساؤل عن سبب كراهيةِ عائلةُ الحكم في البحرين للقضيةِ الفلسطينيّة؟ ولماذا هي مصرةٌ علی تنفيذ التطبيع وإجبار المجتمع المناهضُ للتطبيع علی القبولٍ به وعدم مقاومته؟ جملةٌ من الأسباب تشكلُ في النهاية الشكلَ النهائيّ لسردية عائلة الحكم في البحرين إزاء الصراع نحو الحريةِ، ونحو إعادة تمثيل قضية الاحتلال. وكل من الحرية والاحتلال يُشكلان القاسمَ المشترك بين حكومة الرفاع في البحرين وحكومة تل أبيب في فلسطين. إنّ كلا النظامين يُصنفان من وجهة نظر السكان الأصليين علی أنهما أنظمة احتلال ينقصها جزء كبير من الشرعية السياسية والمشروعية السياسية، مقابل شرعية المقاومة لها أو مبررات رفض ممارساتها. وبالمثل فإن قضية الحرية تُشكل مأزقاً كبيراً لعائلة الحكم في البحرين حيث ترفض العائلة منذ 100 عام مسألة الشراكة السياسية مع الشعب وتصر بشكل دائم علی تفضيل الخيار الأمني وسياسة القمع والإكراه في التعامل مع مطالب التحرر السياسي، وهي السياسية نفسها التي تفضلها سلطات الكيان المؤقت في فلسطين إزاء مطالب الشعب الفلسطيني. بالعودة إلی التاريخ الحديث نجد أن عائلة الحكم في البحرين تعاملت منذ ثلاثينيات القرن الماضي بإيجابيةٍ مذهلة، لتسهيل الهجرة اليهودية إلی فلسطين، وحولت البحرين إلی ترانزيت عالمي لجمع يهود اليمن واليهود المهاجرين لتسهيل توطينهم في فلسطين بالتعاون مع الإدارة البريطانية. والحقيقةُ هنا أن عائلة الحكم في البحرين تصرُ اليوم علی إبقاء العلاقة الرسمية مع الكيان المؤقت رغم الرفض الشعبي لها ورغم انقلاب جزء كبير من الموالاة التي أيدت التطبيع قبل ثلاث سنوات. إن إصرار عائلة الحكم في البحرين علی إمضاء اتفاقيات التطبيع مع الكيان المؤقت لا يعني سوی كراهيةَ العائلة الحاكمة للقضية الفلسطينية وتفضيلها لنظام الاحتلال الاستعماري لكونه يشابهها بنيوياً. والنتيجة المؤكدة لهكذا مسار لن تخرج عن دائرة مزيد من عزلة عائلة الحكم ومزيد من الكراهية المضادة التي ستقابل كراهية العائلة للقضية الفلسطينية.
الباحث عباس المرشد - لندن