ووفقاً لرابطة الصحافة البحرينية من المقرر أن تشهد البحرين خلال شهرين أو ثلاثة انتخابات نيابية، ورغم أن السلطات لم تعلن حتی الآن موعدا محددا لهذه الانتخابات، إلا أن البلاد بدأت تشهد إعلان بعض المستقلين الترشح لكرسي البرلمان بالإضافة لرواج الدعايات الانتخابية.
كل ذلك يقام في وقت تغيب فيه المعارضة عن المشاركة فيها ترشحًا وانتخابًا بسبب قانون العزل السياسي، وهو التعديل الذي أُجريّ علی قانون “مباشرة الحقوق السياسية” في يونيو/ حزيران 2018، الذي أدی إلی منع “قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها” من الانتخاب والترشح لمجلس النواب، وهو ما ينطبق علی غالبية شارع المعارضة والمكون الشيعي في البلاد تحديداً.
ومنذ استقالة 18 نائباً من كتلة “جمعية الوفاق” العام 2011 علی خلفية الاحتجاجات السياسية التي عصفت بالبلاد آنذاك، لم تشارك إلا جمعية المنبر التقدمي (ذات توجه يساري) في البرلمان وعادة بكراسٍ لا تزيد عن إثنين، وبهذا لا تشكل الجمعية ونوابها أي ضغط أو قوة داخل البرلمان، كما أصبحت المعارضة خارج المعادلة السياسية في البحرين نهائيا بعد عام 2016 حين حُلت جمعيتي الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الديمقراطي (وعد)، كما أُغلقت صحيفة الوسط وهي الصحيفة المستقلة في البلاد كما مُنع المراسلون/ات المستقلون من العمل من خلال سحب تراخيص العمل.
السلطات السياسية والقضائية التي قامت بحل الجمعيات السياسية المعارضة، قامت بسلسلة من الإجراءات منها: إبعاد رجل الدين الشيعي المعارض، الشيخ عيسی قاسم، بطريقة غير مباشرة بعد إسقاط جنسيته، كما وأوقفت صلاة الجمعة في جامع الدراز الذي كان يؤمه قاسم لحشده آلافًا من المصلين (سمحت بعودة الصلاة مؤخراً). كما وفعلت السلطات سياسة الاستدعاءات والتحقيقات والمحاكمات القضائية للمعارضين ونشطاء المجتمع المدني بلا هوادة.
ومثُلّ مئات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أمام وحدة الجرائم الالكترونية ومن ثم النيابة العامة ومن ثم المحكمة بسبب مواقفهم السياسية أو تناول سياسات الدولة بالنقد او مخالفة السياسات الخارجية للدولة تحت تهم بث دعايات مثيرة من شأنها إلحاق الضرر بالعمليات الحربية للقوات المسلحة والتحريض علی كراهية النظام ونشر أخبار كاذبة وغيرها من التهم المطاطة.
كما استمرت السلطات في سياسة المواجهة والاعتقال لمجاميع صغيرة من أهالي المحكومين الذين يتجمهرون بشكل سلمي داخل القری علی جوانب الطرقات للمطالبة بالإفراج عن ذويهم. يشمل ذلك المتظاهرين ضد التطبيع مع إسرائيل، أو غضبا لوفاة سجين في السجن.
في عام 2013، أصدر وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف قرار رقم (٣١) بإضافة مادة جديدة، (الثالثة) مكرراً الذي ينص علی “أن يكون اتصـال الجمعيات بالتنظيمات السياسية الأجنبية كبعثات التمثيل الدبلوماسي أو القنصلي الأجنبية لدی المملكة أو المنظمات والمؤسسات الحكومية الأجنبية أو ممثلي الحكومات الأجنبية وغيرها، داخل البحرين بالتنسيق مع وزارة الخارجية، علی أن يكون هذا الاتصال بحضور ممثل عن الوزارة أو من ترتئيه من الجهات ذات العلاقة، وعلی الجمعية السياسية الراغبة في هذا الاتصـال إخطار وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بشأن التنسيق مع وزارة الخارجية وذلك قبل ميعاد الاتصال بثلاثة أيام عمل علی الأقل، ويسري هذا الأمر علی اتصال الجمعية السياسية بأي من التنظيمات السياسية الأجنبية خارج المملكة”.
وعاد مكتب شئون الجمعيات السياسية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف وذكّرَ مؤخرا الجمعيات السياسية، بما جاء في هذا القرار مشدداً علی ضرورة إخطار وزارة العدل والشؤون الإسلامية بأي اجتماع بين ممثلين عن جمعيات سياسية وتنظيمات خارجية وذلك قبيل الانتخابات النيابية المزمع إقامتها نهاية العام الجاري، حسب ما جاء في التعميم.
كما استدعت النيابة عددا من المغردين علی تويتر لإطلاقهم/ن عددا من النكات والسخرية من شعارات المرشحين/ات الجدد للبرلمان، من إعلاميين/ات، نشطاء/ات اجتماعيين، فاشنيستات وسائل التواصل الاجتماعي، المحامين/ات وغيرهم، حيث يعبر الكثيرون/ات عن حسرتهم/ن وغضبهم/ن لما آل إليه حال الديمقراطية في هذه المملكة الصغيرة.
تبقی العيون مترقبة لكيفية تعامل السلطة مع الصحافة في وقت الانتخابات، وما هو سقف الحريات الذي سيتاح للصحافة المحلية للقاء المرشحين/ات من مختلف الخلفيات والطوائف، خصوصاً وأن سياسات الدولة في الإنتخابات السابقة لم تكن مشجعة. كما يتساءل كثيرون عما إذا كانت السلطات ستسمح للصحافة الأجنبية بدخول البلاد وتغطية الانتخابات والحديث مع المعارضين، أم أنها ستراقبهم وتحد من حركتهم وممارسة التضييق علی تحركاتهم؟
وبخلاف بعض وسائل الإعلام المنحازة للمعارضة من خارج البلاد، لا يوجد أي نفاذية للمعارضين السياسيين أو نشطاء المجتمع المدني الذين يتبنون وجهات نظر ناقدة للحكومة، إلی وسائل الإعلام الحكومية أو الصحف المحلية التي تعود ملكيتها لمتنفذين في الدولة وأفراد من العائلة الحاكمة. يضاف إلی ذلك أن الرقابة علی الإنترنت وسياسات التجسس والتوقيف والمحاكمات القضائية تحكم قبضة الحكومة علی الفضاء العام بشكل واضح.
تمثل الانتخابات النيابية المقبلة اختباراً جديداً للدولة في ما إذا كانت لديها الرغبة الحقيقية للشروع في إصلاحات سياسية طال انتظارها، خصوصاً ما يتعلق بقانون العزل السياسي الذي يحرم شريحة كبيرة من المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية، ترشحاً وانتخاباً. خلاف ذلك، تبقی الانتخابات مظهراً ديمقراطياً في ثوب معركة!