الإعدامات والاعتقالات في السعودية تلقي بظلالها علی جهود إصلاح نظامها القضائي

تساؤلات حول مدی عمق التغيير المنشود في ظل سعي السعودية لإصلاح نظامها القضائي المعروف بصرامته، رغم سلسلة من عمليات الإعدام والمعاملة المتشددة مع المعارضين التي تطغی علی هذه الجهود.
الإعدامات والاعتقالات في السعودية تلقي بظلالها علی جهود إصلاح نظامها القضائي

ويشكّل التفسير الصارم للشريعة الإسلامية أساس النظام القضائي السعودي، لكنّ المملكة أقدمت في الأشهر الأخيرة علی إصلاحات يقول محللون إنها قد تمكّن محاكمها من العمل بشكل مشابه لمحاكم أخری في الشرق الأوسط.

ويستند هذا المسعی إلی سلسلة قوانين جديدة تتناول قضايا حساسة مثل حقوق المرأة في الطلاق وسلطة القضاة في تحديد الأحكام الجنائية.

وأعلن ولي العهد السعودي، القائد الفعلي لبلاده، هذه الإصلاحات العام الماضي، ومن بينها إصدار أول قانون عقوبات مكتوب، وتدرج في إطار أهداف المملكة للانفتاح وتغيير صورتها المتشددة في العالم.

وأبدی بعض النقاد تفاؤلهم بأنّ تطبيق هذه القوانين سيسهّل إمكانية التنبؤ بقرارات المحاكم السعودية ويجعلها أكثر تقدّمية، رغم أنّه يستبعد أن تخفّف القيود المفروضة علی حرية التعبير، أو أن يعامل النظام القانوني بشكل أفضل معارضي الحكومة.

لكن هذه القرارات ترافقت مع أخری ذكّرت بما أعطی السعودية سمعتها القاسية أساسا، وبين هذه الأخيرة تنفيذ أحكام إعدام الشهر الماضي في حقّ 81 رجلا في يوم واحد بتهم مرتبطة بـ"الإرهاب".

وكان مجلس الوزراء السعودي وافق علی قانونين جديدين، هما قانون الإثبات الذي يستند إلی الأدلة بعدما كانت في السابق اليد العليا للقضاة، وقانون الأحوال الشخصية الذي من المقرّر أن يدخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو.

ويوثّق القانون الثاني حالات الطلاق، ويضمن النفقة للزوجات المطلقات، ويمنح المرأة حقوقا أكبر بخصوص حضانة الأطفال، وهي أمور لطالما عانت منها السعوديات.

وفي إعلانه إقرار القانون في يوم المرأة العالمي الشهر الماضي، قال الأمير محمد إن القانون يمثّل "نقلة نوعية كبری" لحقوق المرأة و"الاستقرار الأسري".

شريعة وقانون واستثمار

ويری نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عادل السعيد إن الهدف من تحديث القوانين مرتبط جزئيا بطمأنة الشركات الأجنبية التي تسعی السعودية الی الحصول علی استثماراتها.

ويقول "أصحاب رؤوس الأموال يخشون من الاستثمار في بلد سيء السمعة في الجانب القانوني، لذلك جاءت هذه القوانين لتغيير الصورة".

ويمكن لقانون العقوبات الجديد الذي لم يتم الكشف عن مضمونه بعد، أن يجلب المزيد من التغييرات المهمة. وبموجب الشريعة، الأحكام الوحيدة المحدّدة تتناول قضايا الردة والسرقة والزنا وشرب الخمر، بينما يُترك للقضاة تحديد العقوبة في القضايا الأخری.

ويقول الباحث في جامعة جورج واشنطن ناثان براون إنّه في ظل قانون العقوبات "تتوقّع الدولة من القضاة ألا يعتمدوا فقط علی ما اعتادوا العمل به من (...) الشريعة بل أيضا علی القواعد القانونية (القائمة علی الشريعة) التي وافقت عليها الدولة"، مضيفا أن نتيجة ذلك ستكون الوصول الی "نظام قضائي مدني كما معظم الدول في المنطقة".

ويشير الخبير القانوني المعارض عبد الله العودة إلی أنّ الحد من سلطات القضاة يعطي إمكانية أكبر "لتوقّع" الأحكام، لكنّه قد "يخلق مشكلة أكبر هي عدم الاستقلالية"، علما أن الملك يعتبّر رئيس النظام القضائي.

ووالد العودة، هو رجل الدين البارز سليمان العودة المحتجز منذ العام 2017 حين نشر تغريدات علی موقع "تويتر" تتناقض مع سياسة السعودية في ذروة مقاطعتها لجارتها قطر.

وقضيته واحدة من قضايا عدة مشابهة. ومن بين أبرز الشخصيات التي يلفّ الغموض مصيرها ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي تنازل عن منصبه لصالح الأمير بن سلمان في 2017، ولم يُشاهَد علنًا منذ ظهور تقارير عن توقيفه في آذار/مارس 2020، علما أنّه لم يتم تأكيد اعتقاله رسميًا.

ظل مقتل خاشقجي

بالنسبة إلی المعارضين، تعزّز مثل هذه القضايا التساؤلات حول الاختلاف الذي ستحدثه إصلاحات العدالة الجارية حليا.

وتقول الأكاديمية المتحدثة باسم حزب التجمع الوطني المعارض السعودي والمقيمة في المملكة المتحدة مضاوي الرشيد "كل هذا عبارة عن زخرفة"، مضيفة "من الصعب جدا معرفة معنی هذه الإصلاحات".

ولا يزال القتل المروع للصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول يلقي بظلاله علی أي نقاش حول نظام العدالة في السعودية. وبغض النظر عن أي إصلاحات قانونية جارية، ألحقت القضية ضررا كبيرا بسجل حقوق الإنسان في المملكة.

وخلص تقرير من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الی أنّ محمد بن سلمان أعطی أوامر بقتل خاشقجي، وهو ما نفته السلطات السعودية.

والشهر الجاري، أحالت تركيا ملف خاشقجي إلی الرياض وأوقفت محاكمة 26 سعوديا غيابيا يشتبه بتورّطهم في قتل الصحافي السعودي، ما أثار احتجاجا من المحامين وخطيبة خاشقجي الذين أصروا علی أن المحاكم السعودية لا يمكنها إجراء محاكمة ذات مصداقية.

وينتاب الخوف ذوي المعتقلين لدی الحديث عن موضوع هؤلاء السجناء، إذ لا يزال "مصير خاشقجي" حاضرا في الأذهان.

وقال صديق للأمير الشاب سلمان بن عبد العزيز المعتقل مع والده منذ 2018، "نعم أنا خائف من الحديث"، مضيفا "أريد والكثيرون التحدّث، لكنّنا نخاف (...) الكل يعرف ما حدث بالفعل لخاشقجي".

المصدر: فرنس 24